جوهر الهوية والأبعاد الثلاثة للهوية الثقافية المغربية

جوهر الهوية والأبعاد الثلاثة للهوية الثقافية المغربية
بقلم:حسن اد بلقاسم

الهوية الثقافية:
لابد في بداية هذا العرض من محاولة تعريف الهوية الثقافية أو الذاتية الثقافية في معناها المجرد حتى نكون أمام مفهوم واضح بمضمون محدد.
وتحديد أو تعريف الهوية الثقافية يتوقف أساسا على التعريف المختار للثقافة. ولن أدخل في تفاصيل التعريفات التي تختلف حسب المنطلقات والأهداف ولكن سأعتمد التعريف الوارد في إعلان يتمثل فيه إجماع دولي، والإعلان بشأن الثقافة الصادر عن المؤتمر العام للأمم المتحدة حول السياسة الثقافية المنعقدة بمكسيكو سنة 1982.
فالثقافة في هذا الإعلان هي "جماع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعنا بعينه أو فئته الاجتماعية بعينها وهي تشمل الآداب والفنون وطرائق الحياة كما تشمل الحقوق السياسية للإنسان ونظم القيام والتقاليد والمعتقدات.
انطلاقا من تعريف الثقافة الدولي هذا فيمكن القول بان الهوية الثقافية هي المحصلة الحية لمجموعة عناصر معنوية فكرية وعناصر تاريخية حضارية وعناصر لغوية وفنية وسلوكية تعيش حية في شعور الناس اليومي ولا شعورهم تمتد بأشكال مختلفة في الماضي والمستقبل.
إن الهوية الثقافية بهذا المعنى تتعدد بتعدد الثقافات هذا التعدد الفني لا يخلو منه الاستثناء لبلد من بلدان العالم وهو ما دعا المجتمع الدولي إلى تسطير مجموع من المبادئ ضمنها في الإعلان الخاص بالثقافة المذكور.
مبادئ حول الثقافة والهوية الثقافية:
انطلاقا من أن الثقافة هي التي تمنح الإنسان قدرته على التفكير وهي التي تجعل منا كائنات تتميز بالإنسانية المتمثلة في العقلانية والقدرة على النقض و الالتزام الأخلاقي"فإن المجتمع الدولي حدد أو سطو مجموعة مبادئ تستهدف كلها لفت نظر الشعوب والجماعات البشرية إلى الواجب الملقى على عاتقها اتجاه نفسها والحفاظ على هويتها الثقافية وتأكيدها اتجاه الآخرين عن احترامها للهوية الثقافية الأخرى المختلفة.
يمكن تلخيص هذه المجموعة من المبادئ مما يلي:
1- لكل قيمها الفريدة التي لا بديل عنها:
ولا تختلف  في ذلك الثقافات "الكبيرة" عن الثقافات الصغيرة المهمشة. ويرجع ذلك بكل بساطة أن تراث كل الشعب وأشكال التعبير الخاص به هي أمضى رسائله للإفصاح عن وجودة في هذا العالم (3).
2-الاعتراف لكل اللغات والثقافات بالمساواة في إطار الكرامة:
إن مبدأ المساواة بين الأفراد والجماعات يستلزم الاعتراف بالمساواة بين اللغات والثقافات ولذا فينبغي الاعتراف لكل شعب أو جماعة بحقها في الحفاظ على لغتها وثقافتها بدون أي تمييز من أي نوع.
3-إن تأكيد الهوية الثقافية: يساهم في تحرير الشعوب بينما تشكل السيطرة على اختلاف أشكالها إنكارا لها وانتقاصا منها: (4).
4-إن كل ثقافة هي جزء لا يتجزأ من تراث الإنسانية: ويترتب على ذلك أن إهماله ثقافة مجموعة أو تدميرها هو إفقار للبشرية جمعاء.
5-إن الارتباط وثيق بين مفهومي الهوية الثقافية: والتعدد الثقافي ولا سبيل إلى الفصل بينهما ويشكل الاعتراف بهويات ثقافية متعددة داخل الحدود التي تتواجد عليها لحمة لتعدد الثقافي.
6-يجب أن تستهدف أية سياسة لغوية أو ثقافية الحفاظ على الهوية الثقافية لكل شعب أو جماعة. ويجب أن تكون مبنية على الديموقراطية الثقافية التي ترتكز على اشتراك الفرد والمجتمع على أو مع نطاق ممكن في إبداع المنتجات الثقافية وفي اتخاذ القرارات بشأن الحياة الثقافية وفي التمتع بالمنتجات الثقافية (5).
جوهر الهوية الثقافية:        
 إن جوهر الهوية الثقافية يتمثل في مجموعة من الحقوق المرتبطة بالكرامة المتأصلة في الإنسان فالحديث عن الهوية الثقافية يمكن أن يكون حول "الشعب" او "الجماعة" كما يمكن أن يكون عن هوية الإنسان الثقافية.
وإذا كانت العناصر المتعددة التي ذكرت عند تعريف الهوية الثقافية متعددة وتتعلق بمجالات مختلفة في الحياة. فإن كل ذلك يتمحور حول جوهر الهوية الثقافية المتمثل في حقوق الإنسان اللغوية والثقافية.
وفي هذا المجال يمكن الحديث عن حقوق لغوية وحقوق وحضارية وحقوق تتعلق بالماضي وحقوق مرتبطة بالمستقبل وتكتسب الحقوق اللغوية والثقافية في حياة الإنسان المغربي الراهنة أهمية أساسية لكونها المدخل الضروري لتأكيد ذاته وهويته وهي المسلك اللازم لتحرره.
الحقوق اللغوية والثقافية:
هذه هي بعض الحقوق الغوية والثقافية التي تشكل جوهر الهوية الثقافية لكل مجموعة لغوية ثقافية:
1-  الحق في التمتع بذاتية لغوية وثقافية متميزة :
ويشكل هذا الحق في نظرنا أساس ومنبع كل الحقوق الغوية والثقافية الأخرى.
ذلك أن هذا الحق مرتبط بالكرامة المتأصلة في .......والتي يعترف بها المجتمع الإنساني كله من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإتفاقيتين الدوليتين لحقوق الإنسان لسنة 1966 ولا يمنع مع التمتع بهذا الحق وحدة الأصل أو وحدة الديانة فقد جاء في المادة الأولى من إعلان المؤتمر العام للأمم المتحدة للتربية والثقافية والعلوم بتاريخ 27/11/78 "إن البشر جميعا ينتمون إلى نوع واحد وينحدرون من أصل مشترك واحد وهم يولدون متساوين في الكرامة والحقوق ويشكلون جزءا لا يتجزأ من الإنسانية وجاء في المادة الثالثة من نفس الإعلان إنه لا يوثر وحدة الأصل على أي وجه في كون البشر يستطيعون ويحق لهم أن يتغايروا في أساليب العيش كما لا تحول دون وجود فروق بينهم مصدرها تنوع الثقافات والظروف البيئية والتاريخية ولا دون حقهم في الحفاظ على هويتهم الثقافية.
ولهذا الحق جانب آخر وهو ضرورة اعتراف الدولة وبهذا الحق وذلك عن طريق النصر على ذلك في الدستور واتخاذ كل الإجراءات القانونية والعملية المبرزة لذلك الاعتراف.
2- الحق في تطوير الثقافة واللغة بشكل يستجيب لمتطلبات تقدير الإنسان المغربي ومستلزمات العصر ويستلزم احترام هذا الحق وترك المجال مفتوحا لحرية الإبداع والبحث الميداني والأكاديمي والعلمي الذي يهدف إلى تطوير الثقافة واللغة بدون أي نوع من المضايقات المادية أو المعنوية. والثقافة هنا مستعملة بمعناها الشولي الذي يتضمن كل نواحي الإيداع الإنساني، ويمكن الحديث هنا عن الحقوق المتفرعة التالية:
v    حق في تطوير الأدب والشعر الأمازيغيين ونفلهما من الحالة الشفوية إلى الحالة الكتابية.
v    الحق في تطوير الفن الغنائي والموسيقي عن طريق تحدثها شكلا ومضمونا.
v    الحق في تطوير الكتابة مع ترك المجال مفتوحا لاختيار اقرار الحروف الملائمة.
3- الحق في التمتع بالوسائل المادية والمعنوية لتطوير وتنمية الثقافة واللغة ويتضمن هذا الحق:
v    الحق في المطالبة بخلق وإنشاء مؤسسات عمومية تقوم بالعناية بالثقافة واللغة وبتنشيط وتنمية القدرات في كل مجالات الإبداع الثقافي واللغوي والفني.
v    الحق في وضع كل الإمكانيات الضرورية أمام الباحثين المهتمين بالثقافة واللغة في مجال البحث الثقافي اللغوي الأكاديمي والميداني.
4- الحق في ضمان ممارسة الحقوق اللغوية والثقافية ممارسة فعلية في مساواة كاملة بين كل المواطنين وبين كل اللغات الوطنية ويشمل هذا الحق.
v    حرية الممارسة الفردية للغة والثقافة في كل المجالات.
v    حرية الممارسة الجماعية للغة والثقافة.
v    حرية تأسيس الجمعيات اللغوية والثقافية للاهتمام باللغة والثقافة.
v    حرية الإبداع في المجل اللغوي والثقافي.
5- الحق في ثقافة تعمل على التنمية الشاملة للشخصية الإنسانية وللإحساس بكرامتها: وتزيد من قوة الإحترام لحقوق الإنسان الأساسية والحريات الأساسية ومن أجل ذلك يجب أن تضمن للجميع كما تنص على ذلك الاتفاقيتان الدوليتان الحقوق المتعلقة بإلزامية التعليم الأساسي مع الحق في الوصول إلى التعليم الجامعي.
6- الحق في المشاركة في الحياة الثقافية والتمتع بمنافع التقدم العلمي كما تشير إلى ذلك الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
7- الحق في المطالبة بإصدار نصوص قانونية أو فصول واضحة تضاف في الدستور بدون هدفها حماية ممارسة الحقوق اللغوية والثقافية والاعتراف بها من طرف الجميع.
8- الحق في المطالبة بإصدار نصوص تشريعية خاصة يكون الهدف منها تمكين الأفراد والجماعات من الوسائل الضرورية لممارسة الحقوق اللغوية والثقافية.
وبجانب هذه الحقوق اللغوية الثقافية: هناك مجموعة من الحقوق اللغوية الصرفة لا يمكن أن يكون هناك تنمية تستهدف تفتح الشخصية المغربية بدون ضمانها ونوجزها فيما يلي:
أ‌-     الحق في التمتع بالوسائل المادية والمعنوية لتطوير اللغة ويتضمن هذا الحق:
v    الحق في المطالبة بإنشاء معهد مركزي للدراسات اللغوية (3) وإنشاء معاهد فرعية تحت إشرافه يكون هدفه الأساسي رعاية وتنمية وتطوير اللغة بالأطر اللازمة الموجودة حاليا أو التي ستكون في إطار الاهتمام بتطويرها.
ب-الحق في استعمال لغة كلغة وطنية في كل المستويات إلى جانب اللغة الرسمية.
ج-الحق في استعمال لغة الأم في المجالات غير الرسمية كالجمعيات والأماكن العمومية والمنتديات الثقافية.
v    الحق في استعمالها في المؤسسات الرسمية ويتفرغ من هذا الحق:
v    حق استعمالها في المؤسسات التشريعية والتنفيذية.
v    حق استعمالها في العلاقة مع الإدارات العامة المركزية والجهوية.
v    حق استعمال لغة الأم أمام المحاكم وحق الدفاع عنها (5).
v    هـ-الحق في استعمال لغة الأم في تحديد الأسماء وإطلاقها ويتفرع منه:
v    حق الحفاظ على أسماء الأماكن والمناطق والشوارع التي تحمل لغة الأم وعدم تغييرها إلا بالأسماء مطلقة بنفس اللغة.
v    حق استعمالها لغة الأم في إطلاق الأسماء الشخصية والعائلية.
v    حق إطلاق أسماء جديدة على الأماكن والمناطق بلغة الأم.
v    الحق في تعليق اللوحات واللافتات والعلامات بلغة الأم.
9-حق استعمال لغة الأم في وسائل الإعلام:
ويتفرغ عن هذا الحق:
v    حق استعمال لغة الأم في الصحف والنشرات العامة والخاصة وفي الكتب بالحروف الملائمة.
v    حق استعمال لغة الأم في الإذاعة.
v    حق استعمالها في التلفزيون (7).
ر-حق استعمال لغة الأم في التعليم:
ويعتبر هذا الحق مهما جدا ويشمل:
v    الحق في تدريس لغة الأم في التعليم الابتدائي حيث يجب أن يكون الزامي في جميع المدارس المغربية بنفس درجة الزامية اللغة الرسمية من أجل تعميق تفهم الشعوب.
v    الحق في استعمال لغة الأم في التعليم الثانوي.
v    الحق في استعمال لغة الأم في الجامعات.
إن الحق في التمتع بذاتية لغوية متميزة (6) يعتبر واحدا من الحقوق الأساسية التي تكون جوهر الهوية الثقافية المغربية في الوقت الراهن. ولا يختلف في ذا الأمر في واقعنا الإنسان الناطق بالأمازيغية أو الناطق بالعربية الدارجة. إن السياسة اللغوية والثقافية الراهنة للدولة المغربية لا تعترف بهذا الحق.
ومن الضروري التأييد على أن الحالة الخاصة للغة الأمازيغية والتهميش الذي يخضع له يمس بهذا الحق الجوهري وتصبح كل المبادئ التي تم تقديمها مدامة بقوة من طرف السياسة اللغوية السائدة.
§        ويكتسب الحق في المساواة في إطار الكرامة بين الأفراد والجماعات من جهة وبين اللغات والثقافات خاصة باعتباره مكونا لجوهر الهوية الثقافية في ظروف تستأثر اللغة الفرنسية بالدرجة الأولى على جميع المستويات التي تحافظ على مردودية عالية وبينما تعاني العربية تجاه عقدة تفوق الأولى تحاول اللغة الأمازيغية أن تنهض من الاضطهاد المزدوج.
§        وفي جوهر الهوية الثقافية فإن الحق في الاطلاع على تاريخ الإنسان المغربي الممتد قبل الإسلام وبعده للآلاف السنين يصبح من الضروري احترامه لتقديم التاريخ بشكل موضوعي علمي ومعقلن وتحترم فيه كل المعطيات المتعلقة بالهوية الثقافية واللغوية للإنسان المغربي.
§        ومن اللازم في هذا الباب ضمان الحق في تطوير اللغة الثقافية الأم سواء للناطقين بالأمازيغية أو العربية وذلك بسن سياسة ثقافية قابلة وقادرة على أن تكون ديموقراطية تراعي المساواة بين اللغات والثقافات.
§        إن حق المشاركة في الحياة الثقافية بشقيه (المشاركة الإيجابية والتمتع بمنافع التقدم العلمي (7) يدخل ضمن النواة الأكثر أهمية في الهوية الثقافية. وبدون ضمان هذا الحق بتطوير لغات التواصل واستعمالها في نقل المعرفة وفي وسائل الإعلام يظل التمييز وإنكار حقوق الناس في التمتع بهويتهم قائما. وهو شيء يصعب تجاوزه بغير سن سياسة لغوية وثقافية يكون هدفها تحقيق ذلك.
إن العقد الدولي للتهيئة الثقافية الذي يستهدف من بين ما يستهدف تأكيد الهوية الثقافية وتوسيع المشاركة في الحياة الثقافية انطلق منذ سنة 1987. ونحن اليوم نعيش في السنة الخامسة من العقد، ولا نزال نشهد على الصمت المطبق لأجهزة الدولة حول الموضوع، رغم أنه كان عليها في إطار التزامها في الأمم المتحدة بأهداف العقد الدولي للتنمية الثقافية أن تقوم بما يلزم لتحقيقها.
إنها سياسة لغوية وثقافية تدين نفسها بالصمت والإهمال في عز العقد الثقافي الدولي.
الأبعاد الثلاثة للهوية المغربية:
الهوية الثقافية المغربية في نظري هي هوية متعددة أو هي هوية ذات أبعاد متعددة. بل ويمكن الحديث عن التعدد حتى داخل كل بعد من الأبعاد التي نتصورها. غير أن ما يهمني هنا الآن هو ثلاثة أبعاد أساسية من الصعب فهم الهوية الثقافية المغربية بدونها في المرحلة الراهنة.
هذه الأبعاد هي البعد الأمازيغي والبعد العربي-الإسلامي والبعد العالمي. ومن الصعب أن يتم إقصاء بعد من هذه الأبعاد في الوقت الراهن دون السقوط في ممارسات ذات طابع فاشي تنكر على الآخرين المختلفين حقوقهم.
ومن الضروري قبل الحديث بإيجاز عن كل بعد من الأبعاد الثلاثة تسجيل ملاحظة هامة هي أن الحديث عن الأبعاد المذكورة يقتصر على ماهو ثقافي ويتجنب ما هو إيديولوجي. ومن هنا فإن التمييز صار هنا بين البعد الثقافي العربي الإسلامي وبن الإديولوجية العربية الإسلامية.
البعد الأمازيغي:
 الكثير من المفكرين والمثقفين المغاربة اليوم يعلنون إيمانهم بقيم الحداثة والعقلانية والنسبية
والديمقراطية. غير أنه بمجرد ما يطرح عليهم التفكير في هذا البعد بصـوت مرتفع تسـقط في
أعماقهم كل قيم الحداثة والعقلانية والنسبية الديمقراطية فمنهم من يفكر. ومنهم من يبتدع ضلالا ومنهم من يتسربل  بالظلام .( 8 )
  أن البعد الامازيغي في الهوية الثقافية المغربية هو أساسها ومرتكزها البشري والتاريخي والنضالي. فقد سكن الامازيغ المغرب وكل شمال افريقا منذ الاف السنين وستمرت الثقافة واللغة الامازيغية حية وسط الشعب الامازيغي رغم أنا لغة السلطة كانت دائما ذات  بريق جذاب ( 9 ).
يقول بن خلدون (10 ) وأما القول بأنهم من ولد جالوت أو العمالق أنهم نقلوا من ديار الشام وانتقلوا، قول ساقط يكاد يكون من أحاديث الخرافة  إذ أن مثل هده الأمة المشتملة على أمم وعوالم صلات جانب الأرض لا تكون منتقلة من جانب آخر وطرف محصور والبربر معرفون في بلادهم وأقاليمهم متحيزون بشعارهم من الأمم منذ الأحقاب المتطاولة قبل الإسلام. فما الذي يحوجونا إلى التعلق بهذه التراهات في شأن أوليتهم ويحتاج إلى مئلة في كل جيل وأمة من العجم والعرب .
وإذا كان المغرب الآن يتكون من ناطق بالامازيغة  والآخرين بالعربية  وإن هذا التميز كما يشير إلى ذالك مطبوع البيان حول اللغات والثقافات  الامازيغية لا يعني  اختلاف في العرق أو الأصل لكون الأساسي التاريخي  لسكان المغربة واحد بالنسبة للجميع ( 12).
وليس هناك كما يقول شرل انذري جوليان في كتابه تاريخ إفريقيا الشمالية خطا أعضهم من الاعتقاد كما فعل البعض في كثير من الأحيان فأن التقسيم بين الناطقين بالعربية والناطقين بالبربرية يعكس تقابلا بين جنسي عربي وبربري. إن الأمر لا يدل إلا على أن اللهجات البربرية في جهات جبلية أصعب منالا بينما استسلمت في جهات أخرى إلى لغة أكثر مسايرة للضرورات الاجتماعية (13).
ومنذ أول محاولة معروفة في التاريخ للسيطرة على المغرب عرفت الشعوب والقبائل الأمازيغية بمقاومتها لغزوات الرومان والوندال إلى البرتغال والإسبان والفرنسيين وعرفوا منذ آلاف السنين بحبهم لحريتهم والنضال من أجل الحفاظ عليها.
وهكذا قاد الزعيم الوطني ماسين يسن المعروف بما سينيا أول محاولة لتوحيد كل الأمازيغين في دولة واحدة ضد قرطاج وروما في نفس الوقت" وقد دمرت روما كما يقول الأستاذ العروصي في كتابه تاريخ المغرب مدينة قرطاجنة" لتمنع ماسين يسن من الاستيلاء عليها خروفا من أن تصبح قوة في البحر الأبيض المتوسط (14).
وقاد البطل الأمازيغي يوكوتن المعروف بيوغورطا محاولة واعية لتوحيد جميع البربر في حرب وطنية حسب ما أورده الدكتور العروي في نفس الكتاب (5).
وأسس صالح البورغواطي دولة اتخذت شالا عاصمة لها استمرت أربعة قروضا واستعملت الأمازيغية كلغة للدين والدولة كما تشير إلى ذلك الدكتور محمود اسماعيل في كتابه حول حقيقة المسالة البورغواطية.
ودون الإشارة إلى فترة من تاريخ المغرب لا تزال تثير حساسيات ترفض الاعتراف لزعماء وطنين قاوموا من أجل الأرض والوطن بصفة الوطنية والبطولة فإنه يمكن الاكتفاء بأن الشعوب والقبائل الأمازيغية قاومت الرومان مع تاكفارينا وأيدمون وماسينيسا ويوكرتن واستمرت في المقاومة بدون هوداة بنفس القوة مع عبد الكريم الخطابي وموحا أوحمو الزياني وعسو وبإسلام واحنصال ضد الاستعمار الفرنسي من أجل الأرض والوطن.
ولم يكن عمل المقاومة والنضال للحفاظ على الحرية والكرامة والأرض والوطن معزولا عن الشعر الأمازيغي الذي كان دائما ملهب حماس الفرسان والمقاتلين. وهكذا عاشت اللغة والثقافة الأمازيغية كلغة مقاومة وثقافة كفاح.
إنها لمحة عن المكونات المتعددة للبعد الأمازيغي الذي لا يزال البعض ينكره في زمن حقوق الإنسان. فهل يمكن أن يكون أي مثقف يتنكر لهذا البعد رجلا ديموقراطيا ؟
ثانيا: البعد العربي الإسلامي:
إن الأطروحة التي يدافع عنها الشرفاء (ايركراكن) أبناء سيد واسمين (13) والتي تتلخص في أن الرجال السبعة أو أجدادهم السبعة كانوا قد زاروا الجزرة العربية في بداية الدعوة النبوية وتحادثوا مع الرسول، وآمنوا به وأخذوا عنه الرسالة وعادوا إلى بلاد لهم تؤكد الأهمية القصوى للشق الثاني في هذا البعد بالنسبة لكل المغاربة.
ورغم أن خصوم الركراكيين يعتبرون أن الواقعة مختلفة وأن النبي لم يكن يفهم اللغة الأمازيغية فإن الجوهر إلي تريد تأكيده هو أن الإسلام دخل إلى المغرب على يد مغاربة أمازيغيين قبل مجيء العرب إليه (14).
وقد يكون الفهم الخاص للإسلام في هذا الواقع هو الذي أعطى التجربة الدينية للمذهب البورغواطي الذي اعتمد كتابا دينيا بالأمازيغية.
ومن الممكن أن يكون نفس السر رواء سيطرة المذهب الخارجي مدة طويلة على جزء هام من مناطق المغرب وكان خلف العديد من الثورات.
وسيكون الامتزاج بين شقي هذا البعد في شخصيات مثل مؤسسي الدول الإدريسية والعلوية لأنهما معا جاءا منفردين كعرب إلى المغرب وحل كل واحد منهما على مجموعة من القبائل الأمازيغية بدون جيش وبدون أولاد أو زوجات وحولتهما هذه القبائل إلى أميرين وإمامين موجهين. وكان لنسبهما النبوي ودينهما الإسلامي كبير الأثر في هذا المجال.
ولم يلبت أن تحولت تلك القبائل كلها إلى شرفاء أدارسة وعلويين جسدوا التأثير العربي الإسلامي على الشعب المغربي وسلكوا أبعدا من أبعاد هويته الثقافية.
ولقد استطاع المهدي بن تومرت الموحدي أن يقوم بأكثر ثورة ويبني أكبر امبراطورية في شمال إفريقيا بالجيوش الأمازيغية المصامدة التي تحولت بالوعي الإسلامي إلى قوة لا تقهر بقيادة تلميذ الفقهاء المسلمين في الشرق وذلك انطلاقا من جبال الأطلس الكبير.
ويفصل كاتب "مفاخر البربر" (16) في أسماء الشخصيات الأمازيغية التي تحولت بفعل التأثير الإسلامي إلى قيادات سياسية قوية وألفت في العلوم والآداب، وأثرت في مختلف المجالات.
وفي إطار تركيز هذا البعد، فإن الموحدين استقدموا قبائل عربية من الشرق وأنزلوها في بعض السهول المغربية لكسر شوكة التمرد البورغواطي. وهوشي أدى إلى تعريب أغلبية القبائل التي ظلت مقيمة في السهول الأطلسية خصوصا مما رسخ البعد العربي الإسلامي في هويتنا الثقافية (الشاوية- دكالة – مزاب- جبالة- آيت ادراسن الغرب).
ويتشبث المغاربة بالدين الإسلامي، ترسخت العربية كلغة للدين والآداب العالمية، وكلغة للتدريس. بل أن المغاربة والأمازيغيين منهم على الخصوص تفننوا في أساليب التعليم والتقريب لدرجة أن المتهم يستطيع أن يطلع على قصائد تعليمية بمئات الأبيات مركبة من مفردات بالعربية والأمازيغية مثل ارجوزة الرسموكي الشهيرة (17) أو البيت الشعري المشهور لضبط الفرق بين القرن بالفتح والقرن بالكسرة.
القرن بالفتح تاموت وايسكو والقرن بالكسر وانا يكان أنكو.
هكذا يمكن هذا البعد الجسد المغربي باشكال مختلفة وأصبح من غير المقبول إغفاله كبعد من أبعاد هويتنا المغربية المتعدد (18).
ثالثا: البعد العالمي:
إن البعد العالمي للهوية المغربية يتمثل أساسا في التفاعل الجدلي مع بقية أنحاء العالم. وهكذا كان المغرب الكبير مستعدا باستمرار على المستوى الروحي والفكر لاستقبال الجديد القادم من كل أنحاء العالم.
وهكذا فإن الأمازيغيين سكان المغرب منذ ألاف السنين استقبلوا الديانات السماوية على التتابع وقدموا خصوصا من أجل المسيحية ومن أجل الإسلام شهداء يحصون بالآلاف وذلك بعدما قاوموا كل أشكال الغزو من الشمال والشرق.
وهكذا فإن سكان المغرب الكبير اعتنقوا الدين المسيحي حينما اعتبروه ملجأ ضد الاستعمار الروماني ستشهد آلاف المؤمنين في مقاومة الاستعمار (19) وكان ذلك قبل ان تتبني روما المسيحية دينا رسميا للدولة.
أما بعد ذلك فقد انشق الأمازيغييون دينيا وشكلوا الكنيسة الإفريقية المنشقة تحت زعامة دوفاتوس (الدوناتية) التي كانت الوجه الروحي لثورة الفلاحين المعروفة بثورة الدوارين (20).
وكما قاد المغاربة في ذلك العهد الكنيسة الثائرة. استطاع عدد منهم قيادة الكنيسة الرسمية فعليا مثل البابا المعروف بالقديس فيكتور (21) سنوات 189-199 بعد الميلاد، أو روحيا مثل القدس اغسطينوس الذي ولد في تاكاست في شمال إفريقيا ولاذي "كان خطيبا وكاتبا من طرازعال لم يتح للمسيحية أن رزقت زعيما في مرتبته قط". (22).
وفي إطار التفاعل مع الجديد فكريا في العالم فإن المرء إذا ارجع أو اطلع على المعطيات التاريخية لن يستغرب إطلاقا أن يقدم مئات الشبان في السبعينات والثمانينات من قرننا الحالي أنفسهم قربانا للنضال من أجل انتشار الفكر الاشتراكي العلمي ومن أجل حقوق الإنسان (26).
أما المساهمة المغربية في تنظيم الحياة وتنظيم الدولة فيبدوا أنها بلغت مستوى عاليا جدا أيام الدولة الموحدية التي كانت قوة عالمية امتدت سيطرتها شرقا وشمالا وجنوبا إلى أبعد الحدود.
إن الدور المغربي لا يزال مستمرا لحد الآن وبمختلف الأشكال السياسية والأدبية والعلمية.
ويكفي أن تشير إلى أن مفكرين وروائيين كبار مثل الطاهر بنجلون ومولود المعمري وكاتب ياسين يمكن تشبيههما بابوليوس وثيرتيليان في زمانهما. فهم جميعا كتبوا باللغة المهيمنة لكنهم جميعا حافظوا على هويتهم حتى في أعمالهم بلغة أخرى.
إن البعد العالمي للهوية المغربية تكمن في طريقة التعامل مع الجديد عالميا، وفي نوع المساهمات الفكرية والروحية والإبداعية وغيرها التي تفني الثقافة العالمية.
والخلاصة الوحيدة التي يمكن التأكيد عليها بعد ذلك هي أن الهوية المغربية متعددة الأبعاد.
وفي تلك الفترة التي سيطرت فيها المسيحية على جزء كبير من العالم تحت قياد روما كان من بين أكبر الأدباء والمفكرين المعروفين حينئذ كل من أوبلا (اوابلوليوس) وهو أديب ومحام وتيرتيليان وهو مفكر قانوني حقوقي إلى جانب رجال القانون والمحاماة أرنوب Arnob وسيبريان Cyprian ولاكتانس Lactance.
وقد اشتهر منهم عل الخصوص اوبلا ابوليوس الذي ولد سنة 125 ميلادية وألف عدة مؤلفات وصل منها الرواية المشهورة بالحمار الذهبي (23) بينما اشتهر تيرتليان Tertulian بأنه أول كاتب رافع وكتب ضد الاضطهاد فكان بذلك أول مفكر في مجال ابداعي حاليا بكتابات حقوق الإنسان (24) وكان يكتب الإغرقية واللاتينية لغتا الأدب والعلوم في عهده.
وقد سارع بعض سكان المغرب إلى تبني الإسلام منذ أيام الدعوة كما يحاول البرهنة على ذلك كتاب السيف المسلول المذكور أعلاه. بوعد مقاومة قوية وطويلة للفاتحين تبنى سكان المغرب المذاهب الخارجية ...لمبالة إلى مبادئ المساواة في الإسلام، وأسسوه ولا متسلقة عن عواصم الشرق الإسلامية (25) وساهموا في بناء فرك لمرحلة طويلة ضمن التوجه الإسلامي.
وحيث يتأمل المرء في التفاعل بين المغاربة والدينين السماويين بالتتابع يلاحظ تشابها واضحا في التعامل حيث تم رفض "الدين الرسمي" لتبني الدين المنشق أو الخارج على الدين الرسمي.
أن الدوناتية "الكنيسة" المنشقة أشبه ما تكون في عمقها الثوري بالمذهب الخارجي في مواجهة المذهب الرسمي المسيطر في عواصم الشرق الإسلامي. هذه الأبعاد التي يمكن تلخيصها في البعد الأمازيغي ثم البعد العربي الإسلامي ثم البعد العالمي لا يمكن اختزالها يف بعد واحد على حساب الأبعاد  الأخرى (30).


الـــــهــــوامـــــش:
1)      المادة الأولى من الإعلان العالمي حول الثقافة الصادر بميكسيكو سنة 82 عن المؤثر الدولي حول السياسات الثقافية.
2)       من ديباجة إعلان ميكسيكو بشأن الثقافة.
3)      انظر المادة الأولى.
4)      المادة 4 من نفس الإعلان.
5)      المادة 8 من نفس الإعلان.
6)      انظر مقال المكاتب حول الحقوق اللغوية والثقافية في أعمال الدورة الثالثة لجمعية الجامعة الصيفية بأكادير.
7)      الفصل 15 من الاتفاقية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لسنة 1966.
8)      موقف أغلب الكتاب الكبار من التعديل المطروح للقانون الأساسي لاتحاد كتاب المغرب الرافض للتفتح بنص القانون على الثقافة الأمازيغية سقطت معه في ضمائرهم كل القيم المذكورة (المقترح: "يهدف اتحاد كاتب المغرب إلى تطوير ثقافة عربية أمازيغية ديموقراطية تقدمية " بدل "تطوير ثقافة عربية ديموقراطية تقدمية").
9)      انظر كتب "حول الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية" لصاحب المقال.
10) ص 126 من تاريخ ابن خلدون المجلد السادس نشر دار الفكر الطبعة الثانية 1988.
11) نفس الصفحة.
12) ص 15 من المطبوع المنشور من طرف البيان سنة 1980 تحت عنوان اللغات الأمازيغية جزء لا يتجزأ من التراث الوطني.
13) تاريخ إفريقيا الشمالية شارل ادري جوليان ص 66 طبع دار التونسة للنشر سنة 69.
14) ص 56 تاريخ المغرب الدكتور العروي – الطبعة الأولى ترجمة دوفان قرطوط.
15) ص 32 من نفس المرجع.
16) انظر الصفحة 21 من كتاب السيف المسلول فيمن أنكر على الركواكيين صحبة الرسول عبد الله الركراكي – مطبوعات المعهد الشعبي الإسلامي الصويرة.
17) تتلخص الصفة في أن سبعة من الرجال الأمازيغيين المصامدة وهم سيدي واسمين وبوبكر اشماس وسيدي صالح وسيدي عبد الله ادناس وسيدي عيسى ارتن وسيدي سعيد ارتن أو جدودهم انتقلوا إلى الجزيرة وحاورهم النبي بلغتهم وأخذوا عنه الإسلام (انظر السيف المسلول).
18) انظر كتاب البورغواطيون بالمغرب – الدكتور خلف العبيدي- منشورات الجامعة.
19) متاب مفاخر البربر لمؤلف مجهول سنة 712 هـ تحقيق لافي بروفونصال طبع المطبعة الجديدة 1934.
20) نشرها الأستاذ محمد مستاوي تحت عنوان الأرجوزة الرسمية وهذا بيت منها:
قوم عجاف سكنوا في تاكنيت
خافو الضياف كسبوا ياتيديت
21) يمكن الاطلاع على تفاصيل أكثر أهمية بالرجوع إلى المقالات الواردة بمذكرات التراث المغربي المجلدين الثاني والرابع حول تأسيس كل من دولتين الأدارسة والعلويين.
22) انظر كتاب: Le berbère de l’occident éditons la tines لمؤلفه André huard  من طبع
23) انظر الصفحة 297 من كتاب تاريخ إفريقيا الشمالية لمؤلفه شارل اندري جوليان –تعريب محمد مزالي وبشير بشلاته الدار التونسية للنشر 1969.
24) انظر الصفحة 50 من كتاب Le berbère lumière de l’occident.
25)  انظر الصفحة 24 من مذكرات من التراث المغربي المجلد الثاني.
26) لقد عقدت مئات المحاكمات لشباب منضمين لحركة 23 مارس وإلى الإمام الشيوعيتان ومات عدد منهم في اضرابات عن الطعام في السجون (سعيدة المنبهي-الديريدي-زروال وغرهم).

27) انظر العدد الأول من دورية تاسافوت الصفحة 14 ميثاق أكدير حول اللغة والثقافة الأمازيغية. أصدرتها الجمعية الجديدة للثقافة والفنون بالرباط.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

القانون الاساسي لمنظمة تاماينوت 2015-2018

حق المشاركة في مسلسل صنع القرار في المغرب بين المركزية والجهوية السياسية