حق المشاركة في مسلسل صنع القرار في المغرب بين المركزية والجهوية السياسية


حق المشاركة في مسلسل اتخاذ القرار بين المركزية والجهوية
المؤتمر الوطني الثامن عشرلجمعية هيئات المحامين بالمغرب
السعيدية – وجدة 6 -9 يونيو 2013
حسن اد بلقاسم


         أود أن أتحدث في هذا العرض حول حق المشاركة  في مسلسل اتخاذ القرار على المستوى الفردي والجماعي وتطوره بين المركزية  والجهوية السياسية او في الفدرالية .
         وفي هذا الاطار ساورد تحديدا لبعض المفاهيم السياسية الضرورية  ثم  سأتحدث عن الجهوية الادارية والجهوية  السياسية و المعايير الدولية لحق المشاركة في صنع القرار مع تقديم امثلة لبعض الدساتيرالموصوفة بالديموقراطية ، وأخيرا وضعية حق المشاركة  في بروسيس اتخاذ القرارفي المغرب على ضوء دستور مابعد ثورة الياسمين وحركة 20فبراير وحركة تاوادا الامازيغية .

 تنظيم الدولة بين المركزية والجهوية السياسية  والفدرالية :

اولا : تحديدات ومفاهيم بخصوص تنظيم الدولة :
         تنظيم الدولة يتراوح بين الدولة المركزية  والدولة الفدرالية  ثم الدولة الكونفودرالية. كما أن الدولة المركزية يمكن أن  يكون تنظيمها مركزيا صرفا  أو مركزيا جهويا على المستوى الاداري او جهويا سياسيا ،  فما معنى هذه المفاهيم ،
- الدولة المركزية التقليدية :
         تتميز الدولة المركزية  الاستبدادية باحتكار السلطات  وكل الثروات والموارد من طرف المركز( بدستور اوبدون دستور ) .
- الدولة المركزية :
         نظام  بمركز القرارات في المركز  ويستهدف تعزير الوحدة على حساب الديموقراطية  مع دستور يعتمد فصل السلطات ،
- الدولة الفدرالية :
         نظام سياسي تختار فيه جماعات سياسية منظمة ومستقلة ان تخضع لسلطة  موحدة ذات سيادة يتم اقرارها بدستور مع  حفاظ تلك الجماعات على استقلالها  فيما لا تسنده للدولة الموحدة ( الفدرالية ) ، وهي  تعطي اهمية خاصة للاستقلال  الداخلي لكل واحدة منها وللتضامن بينها.
-  الجهوية :
         الجهوية مفهوم يستهدف اعطاء الأهمية للجهات وهي تتراوح مابين الجهوية  الادارية والجهوية الموسعة او المتقدمة الى الجهوية  السياسية .
- الجهوية الادارية :
         تستهدف المزيد من التركيز  مع نقل بعض الاختصاصات الى السلطات الادارية  في الجهات
- الجهوية السياسية :
         تنظيم يستهدف التنمية  المندمجة للجهات مع الاعتراف بالشخصية السياسية والهوية الثقافية للجهات ويضمن حق المشاركة في صنع القرار  على المستوى الفردي ( للافراد ) والجماعي : للشعوب  والجهات .

-         الجهوية المتقدمة ،أو الجهوية الموسعة :مفهوم استعمل كثيرا في المغرب كافق لحل مغربي مقترح لوضع حد نهائي لنزاع الصحراء في اطار الوحدة الوطنية.تم اعتماده مبدئيا في الدستور الجديد سنة 2011 .وهو في نظري مقترح وسط وتردد في الانتقال من الجهوية الادارية الى الجهوية السياسية  .

ثانيا : حق المشاركة في صنع القرار وتنظيم الدولة :

         تطور حق المشاركة في صنع القرار بتطور تنظيم الدولة ، فحق  المشاركة في صنع القرار يضيق كلما كانت تنظيم  الدولة مركزيا ليتسع كلما اتجهت نحو الجهوية السياسية  وليصبح اكثر حياة  وفعالية في التنظيم الفدرالي للدولة ،  وتبرز الدساتير  طبيعة تنظيم الدولة من خلال  مواقفها تجاه الحقوق الفردية  والحقوق الجماعية وكذا من خلال الاختصاصات التي تحتفظ بها للسلطات  المركزية والتي تنقلها للسلطات المحلية والجهوية  ومن خلالها  يتضح مدى ضمان حق المشاركة في صنع القرار على المستويين الفردي والجماعي .
         وقد أدت التطورات التي حدثت في تنظيم الدول خصوصا  بسبب الثورات ( الثورة الفرنسية  1789، والثورة الاشتراكية1919 ) وتطور الفكرالسياسي الليبرالي والاشتراكي   والالحاح على اقرار السلم بعد مآسي الحربين العالميتين الأولى والثانية مما ادى الى تشكيل عصبة الامم ثم  الأمم المتحدة  واعتماد ميثاق لها وانطلاق مسلسل وضع المعايير الدولية لحقوق الانسان وحقوق الشعوب.  بعد ذلك تم اعتماد اعلان  حقوق الانسان لسنة 1948 و العديد من الاعلانات والاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان ، وهو ما أثر  بشكل مباشر على الدول وسياساتها وأدى ذلك  الى تراجع الاستبداد  واصبح حق المشاركة في صنع القرار داخل الدول  معيارا لممارسة الديموقراطية داخلها.
معالم المعايير الدولية للحق الفردي والحق الجماعي في المشاركة في صنع القرار :
         ومن خلال الاعلانات والمواثيق الدولية  يمكن القول بان حق المشاركة في صنع القرار يستلزم ضمان ممارسة الحقوق الفردية والحقوق الجماعية في نفس الوقت ،ويتعين على أي دستور ديموقراطي احترام الحد الادنى من المعايير الدولية لحقوق الانسان وحقوق الشعوب (انظرالموضوع المقدم للمؤتمر 27 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب المنعقد باكدير 26-28 ماي 2011 تحت عنوان"المعايير الدولية للدستور الديموقراطي"

ولنقدم هنا كمثال للحقوق الفردية حق المشاركة  في الحياة االثقافية والسياسية او حق المشاركة الفردية في صنع القرار السياسي، وكمثال  للحقوق الجماعية ، الحق في تقرير المصير كحق جماعي لكل الشعوب صغيرها او كبيرها في اطار الوحدة الوطنية.

الحق الفردي في المشاركة في مسلسل اتخاذ القرار:

فالمادة 21 : من الاعلان العالمي  لحقوق الانسان تنص على مايلي :

1- لكل شخص حق المشاركة في ادارة الشؤون العامة لبلده مباشرة او بواسطة ممثلين يختارون بحرية.
2-لكل شخص حق تقلد الوظائف العامة في بلده على قدم المساواةمع الاخرين.
 3-ارادة الشعب هي اساس سلطة الحكم.ويجب ان تتجلى هذه الارادة من خلال انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري او باجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت.

الحق الجماعي في المشاركة في مسلسل تاتخاذ القرار:

 المادة الأولى من الاتفاقية بشأن الحقوق المدنية والسياسية  وكذا من العهد بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية  تحدد المكونات  الاساسية للحق الجماعي في صنع القرار السياسي والاقتصادي وهو الحق في تقرير المصير.
     المادة الاولى :
l   لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها بنفسها وهي بمقتضى هدا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ،
l   لجميع الشعوب سعيا وراء اهدافها الخاصة ، ان تتصرف بثرواتها ومواردها الطبيعية بحرية  دونما اخلال باية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعن القانون الدولي ولايجوز في اية حال حرمان أي شعب من اسباب عيشه  الخاصة ،
l    على الدول  الاطراف في هدا العهد بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسؤولية ادارة الاقاليم غير المتمتعة  بالحكم الداتي والاقاليم المشمولة بالوصاية ، ان تعمل على تحقيق حق تقرير المصير وان تحترم هدا الحق وفقا لاحكام ميثاق الامم المتحدة .

وباعتماد الامم المتحدة لاعلانها حول حقوق الشعوب الاصلية يوم 13/09/2007 فانها تؤكد العبارة الاولى التي افتتح بها ميثاق الامم المتحدة" نحن شعوب الامم المتحدة"وتجدد بقرار خاص خارج مرحلة التحرر من الاستعمار، انها تعترف لجميع الامم  والشعوب صغيرها وكبيرها وفي اطار الوحدة الوطنية، بالحق الجماعي في المشاركة في مسلسل صنع القرار على المستوى الفردي والجماعي كما تنص على ذالك المواد:

المادة 1
للشعوب الأصلية الحق في التمتع الكامل، جماعات أو أفرادا، بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي لحقوق الإنسان..
المادة 2 
الشعوب الأصلية وأفرادها أحرار ومتساوون مع سائر الشعوب والأفراد، ولهم الحق في أن يتحرروا من أي نوع من أنواع التمييز في ممارسة حقوقهم، ولا سيما التمييز استنادا إلى منشئهم الأصلي أو هويتهم الأصلية.
المادة 3 
للشعوب الأصلية الحق في تقرير المصير. وبمقتضى هذا الحق تقرر هذه الشعوب بحرية وضعها السياسي وتسعى بحرية لتحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
المادة 4 
للشعوب الأصلية، في ممارسة حقها في تقرير المصير، الحق في الاستقلال الذاتي أو الحكم الذاتي في المسائل المتصلة بشؤونها الداخلية والمحلية، وكذلك في سبل ووسائل تمويل مهام الحكم الذاتي التي تضطلع بها.
المادة 5 
للشعوب الأصلية الحق في الحفاظ على مؤسساتها السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتميزة وتعزيزها، مع احتفاظها بحقها في المشاركة الكاملة، إذا اختارت ذلك، في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدولة.

حق المشاركة في صنع القرار من خلال بعض الدساتير :

         ساقدم هنا نماذج مختلفة  توصف عامة بأنها دساتير  ديموقراطية لكنها تختلف  من حيث تنظيم الدولة  وضمان حق المشاركة الفردية او الجماعية  في صنع القرار السياسي والاقتصادي ، حيث يحترم  هذا الحق كلما تخلت الدولة عن طابعها المركزي  لتتحول الى دولة تعتمد الجهوية السياسية أو تعتمد  نظاما فدراليا او كونفدراليا .

- دستور فرنسا : اقرار اللامركزية لجماعات والاعتراف بالحقوق  الفردية :

         كان هناك مع الثورة الفرنسية صراع مابين الفكر الفدرالي الذي كان تتبناه حركة الفدراليات ونادي الجيروندين ،  وبين الاتجاه المركزي  الذي يتبناه " اليعقوبيون " وانتهى الصراع لصالح " اليعقوبيين " الذين  عبروا عن ذلك سنة 1792 بعبارة " فرنسا جمهورية  غير قابلة للقسمة " وهي تنعكس منذ ذلك في الدساتير  الفرنسية  وينص الدستور الحالي  لفرنسا في المادة الأولى على :
         "فرنسا جمهورية غير قابلة للانقسام ،  لائكية ديموقراطية واجتماعية  وهي تضمن المساواة  امام القانون لكل المواطنين بدون أي تمييز بسبب الاصل او العرق  او الدين وتحترم العقائد وهي لا مركزية "
         وينص الدستور الحالي لفرنسا على الالتزام لحقوق الانسان ومبادئ السيادة  وميثاق البيئة وبالحق في تقرير المصير "
وبسبب توجهها المركزي رغم نص الدستور على اللامركزية وتقريرالمصير فان  الدولة الفرنسية تعترف بالحقوق الفردية فقط ولا تعترف بالحقوق  الجماعية  لجماعات  داخل فرنسا ،فالباسك يتمتعون  بالحق في تقرير المصير الداخلي ( الحكم الذاتي ) في اسبانيا بينما هم محرومون من أي حق جماعي في فرنسا بما في  ذلك الحق الحق الجماعي في الهوية الثقافية .
         هذا التوجه المركزي " رغم الجهوية " واللامركزية  الادارية يجعل حق المشاركة في صنع القرار ضيقا جدا بالمقارنة  مع نظام يعتمد الجهوية السياسية  أو نظام يعتمد  الفدرالية ، فاللغة الوحيدة  التي يقرها الدستور هي الفرنسية  رغم أن هناك لغات اخرى. وفرنسا هي الدولة التي رفضت لزمن طويل المصادقة  على الميثاق الاوروبي   للغات .

- دستور اسبانيا : (ضمان الحق في تقرير المصير في اطار الجهوية السياسية  :
         جاء الدستور الاسباني الحالي كنتيجة لتوافق من اجل  الانتقال من ديكتاتورية فرانكو الى دولة ديموقراطية  بملكية برلمانية سنة 1975 ( دستور 29/12/1978 المعدل 27/8/1992 ).
         كانت اسبانيا  منذ انهزام الجبهة الشعبية سنة 1936دولة ديكتاتورية   يحتكر فيها فرانكو كل  السلطات  وكل القرارات. تم بعد  وفاته التوافق سنة 1975 على دستور جديد  يلزم الدولة – الأمة الاسبانية بالعمل على :
         " تطوير رفاهية اعضائها في اطار ممارستها لسيادتها وستعمل على تعزيز دولة القانون التي تضمن القاعدة القانونية  كتعبير عن الارادة الشعبية  وتحمي الاسبانيين وشعوب  اسبانيا  في ممارستهم لحقوق الانسان وتحمي ثقافاتهم وتقاليدهم ولغاتهم ومؤسساتهم " كما تنص على ذالك ديباجة الدستور  :
- وجاء في مادته الثانية :
         " ان الدستور يعتمد وحدة الأمة الاسبانية ووحدة  أراضيها ويضمن حق الاستقلال الذاتي لكل  القوميات  والجهات والتضامن بينها جميعا "

دستور بلجيكا :  دولة فدرالية من جماعات واقاليم لغوية :

         يتميز الدستور الفدرالي الحالي لبلجيكا المعتمد 21/01/1997 والمعدل في 8 ماي 2007 بانه نتيجة  بروسيس انشاء نظام  فدرالي بطريقة تنازلية ، فبعد ان كانت الدولة مركزية منذ 1871 بالكامل  تطورت تحت ضغط مكوناتهاوخصوصا منها الحركة الثقافية الفلامانية والاحزاب المنبثقة عنها، وتحت ضغط حركات حقوق الانسان وحقوق الشعوب ، نحو  تمتيع مختلف الجماعات والاقاليم  بحقوقها الكاملة في المشاركة في صنع القرار ، واعتمدت في العقود  الاخيرة الكثيرمن قرارات ادت الى اعتماد الدستور  الفدرالي الحالي لبلجيكا .
 جاء في المادة الأولى " بلجيكا هي  دولة فدرالية تتالف من جماعات واقاليم "  ونصت المادة الثانية  على ان بلجيكا مكونة من ثلاث جماعات ، الجماعة الفرانكوفونية والجماعة  الفلامانية والجماعة  الجرمانية " وأكدت المادة الرابعة على ان بلجيكا مكونة  من اربع جهات او اقاليم  لغوية هي جهةالجماعة الفرانكوفونية وجهة الجماعة  الناطقة بالفلامانية  وجهة الجماعة الناطقة بالألمانية وجهة  بروكسيل المزدوجة " .

دستور سويسرا :الوحدة في التعدد و ضمان المشاركة في صنع القرار على المستويين الفردي والجماعي  :

         في البداية كانت الكانتونات المستقلة ،  تتعاون وتتصارع فيما بينها،  ثم فرضت عليها الظروف ان تتحاور وتتحالف وتؤسس انطلاقا من استقلال ، وارادة شعوب الكانتونات دولة" كونفودرالية سويسرا"  وتعتمد دستورا فيدراليا بطريقة تصاعدية تنازلت بمقتضاها للحكومة  الفدرالية عن مجموعة  من الاختصاصات بينما  احتفظت في اطار استقلالها بالباقي يعترف بكل لغات البد لغات رسمية .
         وفي الدستور الفدرالي  الحالي للكونفدرالية السويسرية المعتمد  بتاريخ 18 ابريل 1999 نجد فيه مايلي :
تنص المادة الاولى من الدستور السويسري على "
الشعب السويسري  والكانتونات الخمس والعشرين تشكل الكونفدرالية السويسرية"

         وتنص المادة الثانية على ان الكونفدرالية السويسرية تحمي الحرية وحقوق الشعب وتؤمن استقلال وأمن البلد ،  وتعطي الاولوية  للرفاهية الجماعية والتنمية المستديمة والتلاحم الداخلي والتعدد الثقافي للبلد ،  وتسهر على المساواة في الفرص باقصى ما يمكن وتلتزم بالحفاظ المستدام على الموارد الطبيعية لمصلحة  نظام عالمي عادل وسلمي "
         تحت عنوان  :" الكونفدرالية  والكانتونات والبلديات" تعالج المواد 42 الى  53 مهام واختصاصات  الحكومة الفدرالية والكانتونات والبلديات  ،  وتبرز  هذه المواد وما بعدها اقتساما واسعا لكل السلطات  وعلى جميع المستويات ،  فالكانتونات  هي الدول-الشعوب التي اسست الكونفدرالية السويسرية من خلال اتحادها واتفاقها على  تشكيل حكومة فدرالية والتنازل لها في اطار دستور ديموقراطي  عن  بعض الصلاحيات،
         وفي المادة 45 فان هناك مسلسلا  لمساهمة الكانتونات في مسلسل اتخاذ القرار  وتلتزم الحكومة  الفدرالية باحترام الاستقلال  الذاتي للكانتونات."
          ولهذا فان المحامي الذي  يزور سويسرا ويطلع  على ما يجري هناك سيلاحظ ان القوانين تختلف  من كانتون الى اخر  تبعا لما يعتمده كل كانتون طبقا  لثقافته وانظمته في اطار ملاءمة  تامة مع مبادئ القانون الوطني والقانون الدولي ،
         وانني شخصيا اعتبر ان الكانتونات كانت تطورا طبيعيا لمجموعات بشرية وفي الغالب  على شكل قبائل تمكنت من مواصلة نموها الطبيعي ودخلت العصر الحديث من خلال وحدات سياسية واقتصادية مستقلة سرعان ما تمكنت من بناء دولة فدرالية ،
         ولو قارنا بين وضعية القبائل المغربية فيما قبل 1912 التي كانت تتمتع فيها اغلب القبائل  بالاستقلال الذاتي  واتخاذ القرار في جميع شؤونها  بما في ذلك الحرب والسلم ، لكان من الممكن ان نتصور انه لو تطورت هذه القبائل  بدون تدخل الاستعمار في المغرب لتمكنت جميعا من الانتقال الى العصر الحديث لبناء دولة جهات اودولة فدرالية  حاليا. وهي تجربة هامة لم  تعطها لجنة الجهوية  القيمة في تقريرها،وهو ما جعلها تنجز تقريرا لم تظهر فيه اية افاق من اجل الخروج من الجهوية الادارية. وهو يعكس بدوره التردد بشان الانتقال نحو الديموقراطية.

 دستور جنوب افريقيا :ضمان الحق في تقرير المصير لاية جماعة ضمن الوحدة:

     جاء في احدى فقرات ديباجة دستور جنوب افريقيا ان " نحن شعب جنوب افريقيا ، نعمل من اجل وضع لبنات مجتمع ديموقراطي  يكون مصدر الحكم فيه مرتكزا على ارادة الشعب ومنفتحا ، ويكون فيه كل مواطن محميا بالقانون "
     " لتحسين جودة الحياة لكل المواطنين وتحرير طاقة كل  منهم وبناء جنوب افريقيا ديموقراطية وموحدة قادرة ان  تأخذ مكانتها  الحقيقية كدولة ذات سيادة ضمن عائلة  الأمم " ،
     وفي الجزء  الأول تحت عنوان المقتضيات التأسيسية نصت المادة الأولى على ان جمهورية جنوب افريقيا موحدة  وذات  سيادة وديموقراطية  تتأسس على القيم التالية:
أ‌-       الكرامة الانسانية واستكمال المساواة وتطوير حقوق  الانسان والحريات ...."
ونصت المواد 2 على سمو الدستور وان ما جاء  به يجب تطبيقه "
         وخصصت المادة السادسة للغات الرسمية  الاحدى عشرة مع اجراءات تضمن تطويرها واستعمالها "
         وخصص الجزء الثاني لاعلان الحقوق والحريات في المواد من 7 الى 39:
         وفي الجزء الثالث تنص المادة 40 على ان الحكم في الجمهورية يتألف  على المجال الوطني   والاقليمي والمحلي  والتعاون بين  هذه المستويات ملزم بالمبادئ  المنصوص عليها في المادة 41 التي هي :
أ – الحفاظ على  السلم والوحدة الوطنية وعلى عدم قابلية الانقسام  للجمهورية ،
ب- ضمان رفاهية شعب الجمهورية ........"
         وتحت عنوان قضايا اخرى نصت المادة 234 على انه من اجل تعميق ثقافة الديموقراطية الموضوعة  بمقتضى الدستور فان البرلمان يمكنه اعتماد ميثاق حول الحقوق متطابق ومقتضيات هذا الدستور ،
         واضاف حول الحق في تقرير المصير في المادة 235 ان حق شعب جنوب افريفيا ككل في تقرير مصير كما تم تجسيده في هذا الدستور ، لا يمنع في اطار هذا الحق ، الاعتراف  بمفهوم الحق في تقرير المصير ضمن وحدة الاراضي لاية جماعة تشترك في  تراث  ثقافي ولغوي مشترك ، ضمن الوحدة الترابية  للجمهورية ا, بأية طريقة اخرى يحددها التشريع الوطني .


الانتقال الديموقراطي وحق المشاركة في بروسيس اتخاذ القرار :
         انطلاقا من المعايير الدولية  التي يجب ان تتوفر في دستور ديموقراطي ( انظرالموضوع المقدم الى مؤتمر اكدير لجمعيات هيئات  المحامين بالمغرب ايام 26-27-28 ماي 2011 من طرف الكاتب )فان الدساتير التي  تضمن الانتقال من  الاستبداد الى الديموقراطية  يجب ان تضمن  حق المشاركة في اتخاذ القرار على مستويين :
- المستوى الأول :  ضمان حق المشاركة  في مسلسل اتخاذ القرار على  المستوى الفردي من خلال ضمان كل الحقوق الفردية  والحريات الاساسية  وذلك لضمان حق المشاركة في اتخاذ القرار ،
- المستوى الثاني : ضمان الحق في تقرير المصير لكامل مكونات الشعب وكل جهات الوطن  في اطار  الوحدة الوطنية من خلال ضمان كل الحقوق  الجماعية بما في ذلك الحق في تقرير المصير  السياسي والثقافي والاقتصادي طبقا للمعايير الدولية ،في اطار الدولة الموحدة سواء كانت  بنظام جهوي اوجهوية سياسية او بنظام فدرالي او كونفدرالي.
         ومن خلال استقراء المعايير الدولية والتطبيقات المختلفة  من خلال الدساتير فان ضمان حق المشاركة في بروسيس صنع القرار  او اتخاذ القرار يستلزم :

1-      اعادة النظر في تنظيم الدولة المركزية باعتبار نظام  المركزية  قريبااو هوشكل من اشكال  نظام الاستبداد وذلك في افق اقرار جهوية سياسية  او تنظيم فدرالي للدولة ،
2-      ضمان الاعتراف في أي دستور ديموقراطي بكل الجماعات او الشعوب  المتعايشة داخل حدود الدولة ،
3-      الاعتراف بلغات وثقافات الشعوب الاصلية والجماعات المختلفة ،
4-      الاقرار بالحقوق الفردية والجماعية بما في ذلك حق المشاركة في اتخاذ القرار والحق  في تقرير المصير  في اطار الوحدة الوطنية
5-      الاقرار بكون الشعب هو مصدر جميع السلطات  مع اعتبار السيادة ملكا  له ،
6-      اقرار مبدأ فصل السلطات التشريعية  والتنفيذية والقضائية ،
7-      اقتسام السلطات تبعا لتنظيم الدولة  الجهوي / السياسي  أو الفدرالي .
8-      الشراكة في القيم من خلال اقرار كل ذلك بدستور  ديموقراطي  يتم اقراره تبعا لمسطرة ديموقراطية تسمح باحترام حق المشاركة الفردية والجماعية لكل الافراد والجماعات  والشعوب صغيرها وكبيرها ، بدون أي تمييز بسبب الجنس او العرق  او الدين او اللغة في بلورة الدستور وتحيره  واعتماده ،
  وبالرجوع الى نصوص الدساتير المذكورة اعلاه فاننا سنلاحظ  مايلي :

ضعف حق المشاركة في بروسيس صنع القرار في الأنظمة المركزية :
         1- ان الدستور الفرنسي  الذي هو نموذج للدولة  الموحدة  الديموقراطية الاحادية التي  لا تعترف الا بالحقوق الفردية وترفض  الحقوق الجماعية رغم انها  أقـــــــرت  مبدأ اللامركزية في المادة الأولى  " فرنسا جمهورية  غير قابلة للانقسام لائكية  ديموقراطية واجتماعية وهي تضمن المساواة  أمام القانون لكل المواطنين  بدون أي تمييز بسبب الأصل أو العرق او الدين ، تحترم العقائد وهي  لامركزية " .ورغم ان المادة 72  نصت على " ان الجماعات  الترابية للجمهورية هي الاقاليم والجهات والجماعات الخاصة وجماعات  ما وراء البحار ، وتوحي بان الدستور يتبنى  الجهوية ،  فان  مراجعة للنصوص والاختصاصات  تؤكد ان اللامركزية  والجهوية  في فرنسا ليست جهوية سياسية  بل انها لا تتجاوز جهوية ادارية ،  وهو ما يعكس استمرار المركزية  القوية .
وتناقش اللجان المتخصصة في البرلمان الفرنسي حاليا بعد انتخاب فرونسوا هولاند رئيسا مشروعا جديدا بهدف منح اختصاصات جديدة للجهات .
         2- لايعترف الدستور  الفرنسي بالشعوب والجماعات  المتعايشة داخل حدود الدولة الفرنسية ،  لذلك فليس هناك اعتراف   بشعب البروطون والأوكستان ولا شعب  الباسك ، ولكنه يعترف بالحقوق  الفردية المنصوص عليها في  الدستور .
         3-  والدستور الفرنسي لا يشيرالا الى اللغة الفرنسية بصفتها  لغة الجمهورية ،  وهو لا يعترف بلغات  الشعوب المتعايشة في الدولة الفرنسية.
         4- رغم ان ديباجة الدستور الفرنسي تعلن  تشبت  الشعب بحقوق الانسان  ومبادئ السيادة وميثاق البيئة والحق  في تقرير المصير فانه لا يقر بالحقوق الجماعية  للشعوب المتعددة المكونة للدولة الفرنسية  وعلى رأسها  الحق في تقرير المصير حتى في اطار الحكم الذاتي .
         5- ينص الفصل الثاني من دستور فرنسا على ان المبدأ هو " الحكم بالشعب للشعب  من اجل الشعب " بينما جاء في المادة  الثالثة  أن " السيادة الوطنية  ملك للشعب يمارسها بواسطة ممثليه او يطرحها  للاستفتاء "  غير ان الفقرة التالية  تؤكد  على تجسيد الاعتراف في المركزية  بتنصيصها على انه " لايحق  لأي جزء من الشعب  ان يمنح نفسه ممارسة هذه السيادة "  والتعددية الوحيدة  التي يضمنها القانون ،  كما جاء في الفقرة  الاخيرة  من المادة 4  تتعلق بالاراء والاحزاب والمجموعات السياسية" "يضمن القانون  التعبيرات التعددية للأراء والمشاركة  المنصفة للاحزاب والمجموعات السياسية في الحياةالديموقراطية "
         6- ورغم ان الدستور يقر مبدأ فصل السلطات  التشريعية والتنفيذية والقضائية ويعالج قضايا السلطة  القضائية في المواد من 64 الى 68 فانه  لا يسمح باقتسام  السلطات  بين المركز والجهات لكونه لم يفتح المجال  للجهوية السياسية وهو يتبنى  لا مركزية ادارية  رافضة  لأي توجه نحو الحق في تقرير المصير في اطار الوحدة الوطنية أو في افق توجه فدرالي .
         7- الدستور الفرنسي ينص على القيم الكونية المشتركة  لكن عدم اعترافه بلغات وثقافات الشعوب المتعددة المتعايشة في فرنسا تجعل الشراكة في القيم  احادية الجانب على مستوى حياة الشعوب داخل  فرنسا وفي مستعمراتها.

دستور اسبانيا :اتساع حق المشاركة في بروسيس  اتخاذ القرار في الدولة الموحدة مع اقرار الجهوية السياسية :

         خلافا لدستور فرنسا  الدولة الموحدة  " الغير القابلة للانقسام" الذي لايعترف بالشعوب المتعايشة  داخل  حدود الدولة الفرنسية ،  فان الدستور الاسباني يقر في ديباجته مايلي:
         " ان الأمة الاسبانية  ستعمل على تعزيز دولة القانون  و تضمن  القاعدة القانونية  كتعبير عن الارادة  الشعبية  وتحمي الاسبانيين وشعوب اسبانيا في ممارستهم  لحقوق الانسان وتحمي ثقافاتهم وتقاليدهم  ولغاتهم ومؤسساتهم ،
وجاء في المادة الثانية :
" ان الدستور يعتمد وحدة الأمة الاسبانية  ووحدة أراضيها  ويضمن حق الاستقلال الذاتي لكل القوميات والجهات والتضامن فيما بينها جميعا "
          هكذا نجد ان دستور  الانتقال نحو الديموقراطية  يفتح  مجالا واسعا لممارسة  حق المشاركة في  اتخاذ القرار  على المستويين الفردي والجماعي :
1-      يعتمد وحدة الأمة  والأرض ويقر بتعدد الشعوب واللغات والثقافات ،
2-      اعادة النظر في تنظيم الدولة المركزية  واقرار الجهوية السياسية  من خلال ضمان الاستقلال الذاتي لكل القوميات والجهات مع التضامن فيما بينها (المادة 2 ) ،
3-      يعترف بلغات وثقافات الشعوب ويحميها  على المستويين الفردي والجماعي ،
4-      يقر الحق في تقرير المصير لكل  شعوب اسبانيا  وقومياتها في اطار وحدة الأمة ووحدةالأراضي ،
5-      يقر مبدأ فصل السلطات ( المادة 177) ،
6-      يقر مبدأ اقتسام السلطات  تبعا للفصل 137 بين الدولة وباقي مؤسساتها  بالنص على مايلي  :
"  ان الدولة  منظمة ترابيا على شكل بلديات  وأقاليم  وجماعات  مستقلة ذاتيا   وكل هذه الوحدات تتمتع باستقلالها من اجل  تسيير شؤونها " ،
     7- يمكن القول بأن مبدأ الشراكة في القيم الكونية أكثر تقدما مما هو عليه في النموذج  المركزي الفرنسي  ،  لكون دستور اسبانيا  يعترف بالتنوع الثقافي واللغوي  ويقر بحق الشعوب   في تقرير مصيرها  قي اطار الوحدة والتعدد.
         هكذا يمكن ان نلاحظ ان حق المشاركة في صنع القرار  يبدو  متاحا اكثر مما هو عليه في الدستور الفرنسي  ،  فما هي الوضعية في اطار النظام الفدرالي السويسري والبلجيكي ؟
 دستور بلجيكا الفدرالي :
         انتقلت بلجيكا من دولة مركزية الى دولة فدرالية  بطريقة  تنازلية ، فالدستور  البلجيكي الحالي المعتمد بتاريخ 21/1/1997 والمعدل  في 8 ماي 2007 يحدد في مادته الأولى أن :
         " بلجيكا هي دولة فدرالية تتألف من جماعات واقاليم . وتنص  المادة الثانية على أن " بلجيكا مكونة من ثلاث جماعات أو أقاليم لغوية "
وبخصوص السيادة تنص المادة33 على أن " الأمة هي مصدر كل السلطات  ويعتمد الدستور مبدأ فصل السلطات واقتسامها ،  وتنص  المادة 35 على أن السلطة الفدرالية ليس لها من الاختصاصات  الا التي يمنحها لها الدستور رسميا أو القوانين  المعتمدة طبقا لمقتضياته ،
وتضيف الفقرة الثانية  من هذه المادة " الجماعات أو الجهات كل فيما  يعنيه لها اختصاص في الشؤون الأخرى طبقا للاجراءات المحددة بالقانون"  وطبقا للفصل 38 فان للجماعات الثلاثة اختصاصاتها المعترف بها  بمقتضى الدستور " .
         ويعتبر الدستور البلجيكي من الدساتير الفدرالية الجديدة الناشئ بطريقة تنازلية و الذي فتح المجال  واسعا للمشاركة الفردية والجماعية  في بروسيس اتخاذ القرار .

دستور سويسرا وحق المشاركة في صنع القرار( الحر وحده من يستعمل حريته) :

         يعتبر دستور سويسرا من أكثر الدساتير ضمانا لحق المشاركة الفردي والجماعي في اتخاذ القرار ، فقد نشأت الكونفدرالية السويسرية  تصاعديا بعد اتفاق الكانتونات المستقلة على بناء دولة فدرالية  واحدة  وتكوين حكومة فدرالية واحدة حولت اليها بعضالاختصاصات وأبقت على استقلال الكانتونات في باقي الاختصاصات التي لم تتنازل عليها لصالح الحكومة الفدرالية ،
         فالدستور الحالي للكونفدرالية السويسري المعتمد 18 ابريل 1999 ينص في ديباجته على مايلي :
         " ان الشعب والكانتونات السويسرية الواعية  بمسؤولياتها تجاه الخلق  والعازمة على تجديد تحالفها من أجل تعزيز الحرية والديموقراطية والاستقلال والسلام في روح من التضامن والانفتاح ،
         " والمقررة لأن تعيش  وحدتها في تعددها في احترام للأخر وفي اطار الانصاف  والواعية بالمكاسب المشتركة  وواجبها في تحمل مسؤولياتها تجاه الأجيال القادمة ، "
         وهي تعلم أن الحر هو وحده الذي يستعمل حريته " وان قوة المجتمع تقاس  بمستوى رفاهية أضعف أعضائها تقرر اعتماد هذا الدستور "
         ولأن الكانتونات هي التي تشكل الكونفدرالية السويسرية  فان المادة  الثالثة تنص على "
         " الكانتونات هي المالكة للسيادة الاما تتخلى عنه للحكومة  الفدرالية "  وبجانب شعار الوحدة  في التعدد المسجل في ديباجة الدستور السويسري  فان المادة الرابعة منه تنص بشأن اللغات على مايلي :
         " اللغات الوطنية  هي الالمانية والفرنسية والايطالية والرومانشية " ويعتمد الدستور السويسري فصل السلطات واقتسامها على  نطاق واسع (( اقتسام السلطات في دستور سويسرا- انظرالمعاييرد د د )) ./ .
 
المركزية والجهوية وحق المشاركة في صنع القرار في المغرب
احتكار السلطة والثروة  والقيم مصدر المشاكل الكبرى

الانتقال من دولة مستعمرة الى "الدولة الوطنية" المركزية :
1-   مع الاستقال سنة 1956 اعلن عن ميلاد الدولة الوطنية  المغربية العصرية على شكل  دولة مركزية ، تحتكر فيهاا أقلية غير منتخبة  السلطة السياسية  والسلطة  الاقتصادية  وسلطة القيم الرمزية ،  وطيلة الفترة  الممتدة من ذلك التاريخ الى الأن  شكل احتكار  ثالوث السلطة المركزية مصدر كل المشاكل الكبرى التي اصابت مغرب  ما بعد الاستقلال. فقد سهل احتكار السلطة السياسية استعمال  كل قوى الجيش والبوليس  والادارة  من اجل تركيز السلطة وتركيز الثروة وفرض القيم الاحادية  للدولة الاستبدادية ،  وهو ما أدى الى  اقرار تشريعات  وقوانين ثم دستور غير ديموقراطي كواجهة لتعميق تركيز السلطة  وتركيز  الثروات وتركيز السلطة الرمزية للقيم ،
2-   واذا كانت دولة الحماية والاستعمار قد دمرت بقوة السلاح  وبقوانينها الاستعمارية البنيات السياسية  والاقتصادية  والاجتماعية  والثقافية  للشعب  المغربي بقبائله  الأمازيغية  والعربفونية ،  فان الدولة الوطنية استعملت  السلطة السياسية  والاقتصادية والقوة والجيش  لتدمير ماتبقى من تلك البنيات  وتبنت، الى جانب احتكار السلطة والثروة والقيم ، السياسة الاستيعابية  وسياسة التعريب  في مجال التعليم والاعلام والقضاء ، وارتكبت في بعض الحالات  ما يمكن  تسميته بالابادة كما حدث في انتفاضة  الريف سنة 58/59 وأحداث الجنوب الشرقي  ضد ثورة عدي أوبيهي  بجانب الابادة الثقافية من خلال  الغاء كل  ريحة للأمازيغية  في انظمة  التعليم رغم تطويرها بكل الأنظمة الموروثة عن فترة الحماية والاستعمار ( انظر ص 348 من كتاب النقد الذاتي لعلال الفاسي الطبعة 4 ) وبذلك تم تدميراغلب البنيات التي مكنت من صمود الشعب المغربي  للألاف السنين لكون الدولة الوطنية العصرية اعتبرت  تلك  البنيات الجهوية خطرا ضد الدولة المركزية الاستبدادية .
الانتقال من دولة استبدادية الى دولة مركزية بجهوية ادارية :
- ركزت الدولة الوطنية  كل جهودها من اجل  تعزيز مركزية استبدادية  بواجهة ديموقراطية ، فصنعت الأحزاب والأغلبيات التي تتناوب  تبعا لمزاج السلطة المركزية للسهر على تعميق احتكار  السلطة والثروة ، واستعمال سلطة القيم الرمزية في اقرار دساتير و تعديلها وتغييرها تبعا لضرورة المزيد من التركيز  رغم تغليفه  بشعارات أو بأسماء مختلفة " الجهوية  الادارية " واللامركزية  واللا تركيز .رغم تعبير الشعب في جميع المناطق عن نفوره من المشاكل  الناتجة عن ثالوت احتكار السلطة والثروة والقيم فان نخبة الاستبداد  وحكوماتها لم تنتبه الى  مخاطر النتائج المتمثلة  في تفشي الفساد  والبؤس والأمية والبطالة والأمراض بغض النظر عن   الاهمال الكامل  ل 70 %  من المغاربة و من المناطق  المغربية على مستوى البنيات التحتية  بعد اكثر من ستين سنة من الاستقلال .

ثورة الياسمين وحركة 20 فبراير وحركة تاوادا :
         - فجأة  ودون سابق اعلان انبثقت ثورة الياسمين  انطلاقا من سيدي بوزيد بتونس واسقطت بسرعة الديكتاتورية  في تونس  تلاها سقوط نظام مبارك  وتبعا لذلك انبثقت حركة 20 فبراير وضمنها حركة تاوادا  بالاعلام الامازيغية بمطالب واضحة تتراوح مابين  اقرار الأمازيغية لغة رسمية واقرار الملكية البرلمانية  مع اقرار ديموقراطية  حقيقية  واسقاط الفساد والاستبداد وغير ذلك من المطالب . ومن منطق الدولة  الوطنية المركزية تمت الاستجابة  للمطالب المذكورة بالاعلان عن تأسيس لجنة خبراء لوضع دستور  جديد ،  وفعلا تم اعتماد الدستور المغربي لسنة 2011  اشار الى استجابته لجميع المطالب  المطروحة  من طرف حركات شباب 20 فبراير مع فتح المجال لتاويلات متعددة تتراوح مابين المركزية المطلقة والجهوية المتقدمة في علاقة باحتمال التاويل الديموقراطي او او التاويل الاستبدادي.

     كان المغرب والمغاربة  يحلمون بالانتقال الديموقراطي  منذ زمن طويل ، لكن اعتقد الجميع ان المغرب دخل مرحلة الانتقال الديموقراطي مع حكومة التناوب التي سرعان ما انقشع الغموض ليصبح التناوب مجرد مرحلة جديدة لتكريس الاوضاع على ماكانت عليه رغم انجاز العديد من الاصلاحات .
وفتح التناوب الطبيعي بانتقال الحكم  باب اصلاحات جديدة، وانفتح باب الامل من جديد ، لكن لم يلبث ان انقشع الغيم ليبدو الانتقال الديموقراطي والمفهوم الجديد للسلطة مجرد عنوان لتركيز السلطة  والثروة ،وخيم الياس مرة اخرى على الحياة السياسية.
              وهكذا فان الاجيال التي كانت تحلم بالانتقال الديموقراطي  فقدت الحيوية وبدات تستكين وتخضع للهيمنة على جميع المستويات.
 وفي ظل الجمود السياسي العام ، وانتشار البؤس والفقر والمرض نتيجة الفساد الناتج عن تركيز السلطة والثروة وغياب الشراكة في القيم ، فوجئ الجميع  بانتقال ديناميكية ثورة الياسمين  الى المغرب افرادا وجماعات  ومؤسسات بميلاد حركة 20 فبرايروضمنها تاوادا بالاعلام الامازيغية.
     فعلى غرار ثورة الياسمين وتجاوبا معها، انعقدت عزيمة الشباب المغربي الذي لجأ الى العالم الافتراضي ليجتمع افتراضيا ويتوافق على لائحة  حاولت تجميع كل المطالب الاساسية في " اقرار دستور ديموقراطي  واقرار اللغة الامازيغية لغة رسمية وحل الحكومة و البرلمان ومحاكمة المفسدين وفصل السلطة عن الثروة الخ......" وقرروا نقل حركتهم  من العالم الافتراضي الى شوارع المدن والقرى،  وهكذا ولدت حركة شباب 20 فبراير التي الزمت جميع المؤسسات والاحزاب والهيئات بضرورة التفكير في المستقبل من خلال مشاريع مختلفة ،  وهكذا وبعد ان تراجعت العديد من الاحزاب السياسية عن التفكير في أي تعديل دستوري، فوجئ الجميع تحت ضغط حركة 20 فبراير ومطالبها بالخطاب الملكي ل 9 مارس الذي اقترح مراجعة دستورية شاملة استجابة او تجاوبا مع ديناميكية ثورة الياسمين ومع ذالك عاد الامل من جديد في مستقبل افضل.
دستور جديد من اجل  الانتقال الى الديموقراطية :
- في تقديمه للدستور الجديد اعتبر الخطاب الملكي ليوم 17 يونيو 2011  الدستور الجديد " يتفرد بثلاث مميزات  في منهجية اعداده وفي شكله وفي  مضمونه " واضاف أن " الدستور من صنع المغاربة ولجميع المغاربة " و " أنه قائم على هندسة جديدة همت كل أبوابه " و " يؤسس لنموذج دستوري مغربي متميز قائم على  دعامتين " التشبت بالتوابث الراسخة للأمة المغربية .... ضمن دولة اسلامية  " و " تكريس  مقومات  وأليات الطابع البرلماني للنظام السياسي المغربي في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة وسمو الدستور كمصدر لجميع السلطات " ،
7- وقد عبر بعض الخبراء على أن  صيغة الدستور  المقدم من طرف اللجنة مختلفة في بعض القضايا عن الصيغة المعروضة للاستفتاء يوم فاتح يوليوز 2011 ،  وكان من بين تلك الصيغ تكريس لصيغ  التمييز الناتجة عن ذلك .من بينها " تكريس دستوري للتمييز بين الأمازيغية والعربية  في الفصل 5  "و الصيغة الغريبة لسمو الاتفاقيات الدولية على  التشريعات الوطنية " الفقرة ما قبل الأخيرة من الديباجة وتكريس للتمييز تجاه النساء من خلال التاويلات الغامضة المقبولة دستوريا والناتجة عن تدخل اخر لحظة في تغيير الصيغ المقدمة من طرف لجنة الخبراء.
  أولى الدستور الجديد لمطالب حركة 20 فبراير وحركة  تاوادا  أهمية  خاصة وذلك  بتركيزه مباشرة في فصله الأول على الاستجابة  رمزيا لمطالب "الملكية البرلمانية على اساس فصل السلط والديموقراطية  المواطنة  والتشاركية ،  وعلى مبادئ الحكامة  الجيدة ، وربط المسؤولية بالمحاسبة " والوحدة الوطنية  المتعددة الروابط  والخيار الديموقراطي  وعلى الجهوية  المتقدمة ".
         كما نص في الفصل الخامس على أن اللغة الأمازيغية أيضا هي لغة  رسمية باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة  بدون استثناء "  ونص الفصل السادس على كون القانون  هو أسمى تعبير عن ارادة الأمة ،  وخصص الباب الثاني بكامله للحريات  والحقوق الأساسية مع انشاء هيئة للمناصفة  ومكافحة  التمييز  ومجلس استشاري للأسرة والطفولة ،  ومجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي ....ومؤسسات اخرى الخ " ،
9- خصص الباب الثالث للملكية ودور الملك واختصاصاته  ولقواعد انتقال العرش ومجلس الوصاية ، كما خصص الباب الرابع للسلطة التشريعية ،  ولتنظيم البرلمان  وسلطاته كما خصص الباب الخامس للسلطة التنفيذية واختصاصاتها بينما خصص  الفصل السادس للعلاقات بين السلط العلاقة بين الملك والسلطة التشريعية " والعلاقات بين السلطتين التشريعة والتنفيذية  وخصص الباب  السابع للسلطة القضائية واستقلال  القضاء والمجلس  الأعلى للسلطة  القضائية وحقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة وخصص الباب الثامن للمحكمة الدستورية ،  اما الباب التاسع فقد خصص للجهات  والجماعات الترابية الأخرى أما الأبواب الأخيرة 10 و11و12و13 و14 فقد خصصت على التوالي  للمجلس الأعلى للحسابات  والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والحكامة  الجيدة  وهيئاتها  ومراجعة  الدستور والاحكام الانتقالية .

         فما هي الوضعية الحالية  لحق المشاركة في صنع القرار  على المستويين الفردي والجماعي ؟
هل يضمن الدستور الجديد حق المشاركة في صنع القرار على المستوى الفردي؟
وهل يضمن الحق الجماعي في المشاركة في مسلسل اتخاذ القرار؟
         هل نعيش فعلا مرحلة الانتقال الديموقراطي؟ام اننا نعيش مرحلة تناوب جديد شبيه او مختلف بين تناوب الاشتراكيين بزعامة اليوسفي وتناوب الاسلاميين برئاسة بنكيران؟
         هل نحن نعيش جهوية ادارية أو جهوية متقدمة ؟وهل هناك افق لاقرار جهوية سياسية؟ام اننا نعيش نفس المركزية في جهوية ادارية ؟
         وهل تشارك الجهات وافراد الجهات في صنع القرار ؟
         هل المنصوص عليه في الدستور حول الجهوية يضمن حق المشاركة الجماعية للجهات في مسلسل اتخاذ القرار؟




الحق الفردي في المشاركة في بروسيس  صنع القرار:

جاء الدستور الجديد بمحتويات جديدة وكثيرة حول الحقوق الفردية وعلى الخصوص حق الفرد في المشاركة في مسلسل اتخاذ القرار.فقد جاء في الديباجة التي تعتبر بنفس قيمة الفصول مايلي:

"إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة".

"المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميزبتبوئ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء".

"وإدراكا منها لضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات الدولية، فإن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في هذه المنظمات، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها، من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا. كما تؤكد عزمها على مواصلة العمل للمحافظة على السلام والأمن في العالم".

"وتأسيسا على هذه القيم والمبادئ الثابتة، وعلى إرادتها القوية في ترسيخ روابط الإخاء والصداقة والتعاون والتضامن والشراكة البناءة، وتحقيق التقدم المشترك، فإن المملكة المغربية، الدولة الموحدة، ذات السيادة الكاملة، المنتمية إلى المغرب الكبير"
       وجاءالباب الثاني من الدستور ليعلن تمتع الجميع بالحريات والحقوق الفردية و المساواة بين الرجال والنساء بدون أي تمييز من أي نوع .

ساتناول هنا وجهين لهذا الحق: المشاركة في الحياة السياسية والمشاركة في الحياة الثقافية:

حق المشاركة في الحياة ( السياسية ) في الدستور الجديد  :

10- ينص الفصل السادس من الدستور الجديد  في فقرتين على " ان القانون هو اسمى تعبير عن ارادة الأمة  ، والجميع أشخاصا ذاتين او اعتباريين بما فيهم السلطات العمومية ، متساوون امامه وملزمون بالامتثال له "  و  " تعمل السلطات العمومية  على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات  والمواطنين والمساواة بينهم ،  ومن مشاركتهم في الحياة السياسية  والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ". ورغم ان الفصل  السابع اعطى دورا دستوريا للاحزاب السياسية  مع النص على حرية تاسيسها وممارسة انشطتها " فان الدستور  الجديد يتضمن فقرة في نفس الفصل لا توجد في دستور ديموقراطي  ، ولكنها موجودة قبل ذالك في ذلك في دستور  الجزائر ،  وادخلت في قانون الأحزاب السياسية  قبل الدستور الحالي  جاء فيها ( لا يجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على  اساس ديني او لغوي او عرقي او جهوي " .
11- لو ألقينا نظرة على دستور جارتنا الديموقراطية اسبانيا  وهي تعتمد الجهوية  والحكم الذاتي في دستورها  فاننا سنلاحظ أنه لا ينص الدستور على منع الاحزاب الجهوية ،او الاحزاب الدينية اواللغوية او غيرها.  وحتى في فرنسا  وهي الدولة الأكثر مركزية لعدم اعترافها بالحقوق الجماعية ، وتعتمد جهوية ادارية وليس جهوية سياسية، فان  تاسيس الحزب الجهوي ليس ممنوعا . ان رفع فقرة اوفصل في  قانون الأحزاب السياسية  الى المستوى الدستوري ، والتي سبق اليها دستور الدكتاتورية  العسكرية في الجزائر يعتبر  تراجعا خطيرا  وتضييقا على حرية المواطنين في تشكيل الأحزاب السياسية ،  ويكاد هذا الفصل يكون  شبيها بسياسة  التعريب التي كان يقال عنها انها ضد الفرنسية ،  والحال أن الفرنسية خصصت لها ميزانيات  ضخمة مع سياسة التعريب .
         وهكذا فان تواجد احزاب دينية واحزاب قومية  عربية يظهر  ان الهدف من هذه الفقرة  في المغرب لا تكاد تختلف عن هدفها  في دستور الجزائر الا وهو التضييق على حق التنظيم السياسي والتيارات السياسية  المنبثقة عن الحركة الثقافية الأمازيغية ،
12- والتضييق الاكثر خطورة هو أن  القانون الجديد للاحزاب  السياسية  الموضوع بمقتضى القانون التنظيمي للفقرة  الأخيرة من الفصل السابع ،  وضع عرقلة خطيرة امام حرية تاسيس الأحزاب السياسية بصفة عامة وحق المشاركة في الحياة السياسية بصفة خاصة ،  عندما وضع شروطا تعجيزية لتأسيس حزب سياسي جديد ،  فبعد  ان كان عدد المؤسسين الضروريين لا يتجاوز خمسة الى سبعة اشخاص في اكثر العقود استبدادا في المغرب  رفع العدد الى  خمسمائة  ثم الى ألف مؤسس بعد اعتماد الدستور الجديد.
13- ان اساس حق المشاركة في الحياة السياسية هو الحق في حرية تأسيس الأحزاب  السياسية و بالرجوع الى الفقرة الثانية من الفصل السادس ، فاننا  لو قارنا بين المساواة بين الاشخاص الذاتيين والاشخاص الاعتباريين فاننا سنلاحظ ان  المقارنة بين كل التسهيلات والتبسيطات  والتحفيزات التي تقدمها الدولة للشركات  المتعددة الجنسية وللشركات الخاصة يجعلها تتمتع بامتيازات  مختلفة في حين  تتم عرقلة  حق المواطنين في تاسيس حزب  سياسي للمشاركة في الحياة السياسية ،  وهذا مثال  على التراجع بمقتضى الدستور الجديد عن " توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي   لحرية المواطنات والمواطنين والمساواة  بينهم وفي مشاركتهم في  الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية كما تنص  على ذلك الفقرة الثانية من الفصل السادس  بعد الدستور الجديد .

 حق المشاركة في الحياة الثقافية ( تكريس التمييز ) :
         تاكيدا لمحتوى اليباجة حول الاقرار بتعدد الهوية الثقافية المغربية والاعتراف بمكوناتها المتعددة ومن بينها الامازيغية جاء الفصل الخامس ليضع اطارا لتوسيع الحق الفردي للمشاركة في الحياة الثقافية كما يلي:

تظل العربية اللغة الرسمية للدولة.."

وتعمل الدولة على حمايتهاوتطويرها، وتنمية استعمالها.

تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء.يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية..

تعمل الدولة على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، وتسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وعلى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم ; باعتبارها وسائل للتواصل، والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة، والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر".

"يُحدَث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته، على وجه الخصوص، حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا. ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات. ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتركيبَته وكيفيات سيره".


14- تحسنت حالة حق المشاركة في الحياة الثقافية بعد نضالات  للحركة الثقافية الأمازيغية بعدما تم الاعتراف بالبعد الأمازيغي  للهوية المغربية  وباحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية  وادراج الامازيغية جزئيا في المنظومة التربوية منذ سنة 2003 وانشاء القناة الأمازيغية سنة 2010 ، وقد حدث تقدم رمزي مهم بعد اعتماد الدستور الجديد واعتبار الأمازيغية لغة رسمية لكن الطريقة  التي حصل بها التمييز بين الامازيغية والعربية في الدستور الجديد  خلقت اشكالا جديدا ،  فمن الثابت الآن أن لجنة الخبراء  التي حررت نص الدستور اقترحت صيغة تكريس المساواة بين الأمازيغية  والعربية والحماية لهما معا بنص الدستور .لكن حصل تدخل  اطراف ترفض المساواة وألحت على تكريس التمييز  في النص ، فالصيغة  الاصلية التي قدمتها اللجنة  هي " الأمازيغية  والعربية لغتان  رسميتان للدولة ،  وتعمل الدولة على حمايتهما وتطويرهما وتنمية استعمالهما "،
         هذه الصيغة تكرس المساواة والحماية في الفصل الخامس قبل  تغييره لتصبح " "تظل العربية اللغة الرسمية للدولة ، وتعمل الدولة على  حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها "و" تعد الأمازيغية ايضا لغة  رسمية للدولة باعتبارها  رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء"  ويحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية "  هكذا اذن  تم تكريس التمييز وعلقت المساواة على قانون تنظيمي  سيصدر وسيكرس التمييز لكونه مجرد فرع من الأصل المكرس .
15- والأخطر من ذلك فانه لأول مرة بعد اعتماد الدستور الجديد  تصدر ندوة الرؤساء في مجلس النواب قرارا بمنع  استعمال اللغة الأمازيغية في  المجلس الى وقت أخر " وهو  مايعني  تعليق استعمال الأمازيغية على صدور القانون التنظيمي ، وللتذكير فقد كان بعض النواب قبل اعتماد الدستور الجديد  يتدخلون من حين للأخر بالامازيغية  لكن لم يجمع قط رؤساء الفرق  في مجلس النواب على  اصدار قرار بمنع استعمال الأمازيغية  ، وهذا يشكل تراجعا خطيرا على مستوى  احترام حق  المشاركة في الحياة الثقافية .
16- ويعتبر عدم رفع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية  الى مستوى  المؤسسة الدستورية تراجعا كذلك في هذا  المجال ،  ورغم أن البرنامج الحكومي للأغلبيه يشير الى العمل  على تفعيل الطابع الرسمي  للغة الأمازيغية  فان عرقلة ادماج الامازيغية في مجال التعليم منذ سنة 2007 قد استمر مع الحكومة الجديدة خصوصا وان الميزانيات  المخصصة لم  تعط أية أهمية لتشغيل الأطر  الضرورية  لانجاز الأدنى المحدد لبرامج تعليم الأمازيغية  وادماجها في المنطومة التعليمية ،
17- ورغم انشاء القناة الأمازيغية  سنة 2010 فتح  المجال لأمل تطوير  الأمازيغية في المجال الاعلامي فان مظاهر  التمييز التي يشتكي منها الصحفيون المشتغلون  بهذه القناة ،  واغراقها بالبرامج بالعربية  ،  وضعف الميزانية  المخصصة لها تبرر أن الارادة السياسية تكتفي  بالاهتمام  العام بالواجهة  اما في الجوهر فان السياسة الاستيعابية  لاتزال مستمرة باشكال مختلفة .
18-واخطر ما حدث بعد اعتماد الامازيغية لغة رسمية في الدستور هوتجميد المجلس الاداري للمعهد الملكي للثقافة الامازيغية ان لم نقل الغاءه بعدما اعلن عن انتهاء مهام عدد من اعضائه دون تعيين من يحل محلهم.وهوشيء يهيئ لسياسة تعليق كل شيء على القانون التنظيمي الذي سيكرس التمييز تبعا للنص الحالي للدستور وذالك في افق التعريب الشامل للشخصية والمحيط التي تتبناها في العمق الاطراف  المناهضة للانتقال الديموقراطي.


دستور المغرب لسنة 2011
والحق الجماعي للمشاركة في مسلسل صنع القرار:

اعتمد الفصل الاول عناصر يمكن تاويلها في اطار ديموقراطي على انها تضمن الحق الجماعي في مسلسل اتخاذ القرار جماعيا.فهو يعتمد الملكية البرلمانية وهو مايعني اعتمادا لمبدأ اقتسام السلط في الفقرة الاولى بينما يعتمد في الفقرة الثانية مبدأ فصل لسلطات  والديموقراطية المواطنة والتشاركية مع الحكامة والجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.وتعتبر اضافة "الاختيار الديموقراطي" "وتعدد الوحدة الوطنية" في الفقرة الثالثة بمثابة اطار عام لممارسة حق المشاركة الجماعي في مسلسل اتخاذ القرار انطلاقا من اعتماد الفقرة الاخيرة لتنظيم لامركزي لتراب المملكة يقوم على الجهوية المتقدمة كما يلي:

"نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية"

"يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة".

"تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي".

"التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة"
       يمكن الاستنتاج هنا تبعا لمقتضى هذا الفصل ان الجهوية المتقدمة يمكن ان تعني ليس جهة ادارية كما هو الحال بعد سنتين من اعتماد دستور 2011 بل هناك معالم لجهوية سياسية في افق تفعيل ديموقراطي لهذا الدستور. لكن تكوين مجلس المستشارين المنصوص عليه في المادة 63 يلقي غموضا كبيرا على مفهوم الجهوية المتقدمة المشار اليها في الفصل الاول.فقد جاءت المادة المذكورة كمايلي:

" يتكون مجلس المستشارين من 90 عضوا على الأقل، و120 عضوا على الأكثر، ينتخبون بالاقتراع العام غير المباشر، لمدة ست سنوات، على أساس التركيبة التالية :

- ثلاثة أخماس الأعضاء ممثلين للجماعات الترابية، يتوزعون بين جهات المملكة بالتناسب مع عدد سكانها، ومع مراعاة الإنصاف بين الجهات. ينتخب المجلس الجهوي على مستوى كل جهة، من بين أعضائه، الثلث المخصص للجهة من هذا العدد. وينتخب الثلثان المتبقيان من قبل هيئة ناخبة تتكون على مستوى الجهة، من أعضاء المجالس الجماعية ومجالس العمالات والأقاليم"

- خمسان من الأعضاء تنتخبهم، في كل جهة، هيئات ناخبة تتألف من المنتخبين في الغرف المهنية، وفي المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية، وأعضاء تنتخبهم على الصعيد الوطني، هيئة ناخبة مكونة من ممثلي المأجورين".

ويبين قانون تنظيمي عدد أعضاء مجلس المستشارين، ونظام انتخابهم، وعدد الأعضاء الذين تنتخبهم كل من الهيئات الناخبة، وتوزيع المقاعد على الجهات، وشروط القابلية للانتخاب، وحالات التنافي، وقواعد الحد من الجمع بين الانتدابات، ونظام المنازعات الانتخابية".

يُنتخب رئيس مجلس المستشارين وأعضاء المكتب، ورؤساء اللجان الدائمة ومكاتبها، في مستهل الفترة النيابية، ثم عند انتهاء منتصف الولاية التشريعية للمجلس".

ينتخب أعضاء المكتب على أساس التمثيل النسبي لكل فريق"
       ان هذا النص يظهر توجها اخر لمفهوم الجهوية المتقدمة.وهو توجه التنظيم اللامركزي المعتمد في فرنسا والذي لا يخرج في جوهره لحد الان عن مفهوم الجهوية الادارية.
       ففي نظام الجهوية السياسية المطبق في اسبانيا مثلا تتمتع الجهات بالحكم الذاتي وتبعا لذالك فانهاتشارك في الحكم مباشرة من خلال انتخاب برلماناتها اومجالس تشريعية لها وتشكيل حكومات محلية بناء على نتائج الانتخابات ، هذا بجانب تمثيلها المباشر في البرلمان الوطني مع تمتعها الكامل في تسيير شؤونهاالداخلية.
تقرير اللجنةالاستشارية حول الجهوية:لا للجهوية السياسية:
       اعتبرت اللجنة الاستشارية حول الجهوية في تقريرها ان المؤسسات الجهوية يجب ان تكون وظيفية مع الابقاء على مجالس العمالات كما هي حاليا ونقل الاختصاصات اليها تدريجيا كما اعتبرت ان الجهوية تستهدف التنمية المندمجة وواستعملت حسب تقريرها معايير علمية وتقنية من اجل الوصول الى تقطيع التراب المغربي الى 12 جهة،كما توضح ذالك في الفقرات التالية الواردة في الصفحات 54و55 من التقرير:
31-1ﻓﻲ ﻜل ﻤﺸﺭﻭﻉ ﻋﻥ ﺍﻟﺠﻬﻭﻴﺔ، ﻴﻜﻭﻥ ﺍﻟﺘﻘﻁﻴﻊ ﻋﻤﻭﻤﺎ ﺫﺍ ﺤﺴﺎﺴﻴﺔ ﻗﺼﻭﻯ ﻟﻜﻭﻨﻪ ﺠﺎﻨﺒـﺎ ﻤﺴـﺘﺄﺜﺭﺍ"
ﺒﺎﻻﻫﺘﻤﺎﻡ، ﺘﺘﺒﻠﻭﺭ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﻁﻠﻌﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻕ، ﺫﻟﻙ ﺒﺄﻥ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺘﺜﻴﺭ ﺩﺍﺌﻤـﺎ ﺃﺴـﺌﻠﺔ ﻤﺘـﺭﺩﺩﺓ
ﺸﺎﺌﻜﺔ: ﻤﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﻴﻴﺭ؟ ﻭﻜﻡ ﻋﺩﺩ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ؟ ﻭﻤﺎ ﻁﺒﻴﻌﺘﻬﺎ ﻭﺤﺠﻤﻬﺎ؟ ﺒﻴﺩ ﺃﻨﻪ ﻓﻲ ﺇﻁﺎﺭ ﺍﻟﺠﻬﻭﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻘﺩﻤـﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻗﺭﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻤﻥ ﺘﻠﻘﺎﺀ ﺴﻴﺎﺩﺘﻬﺎ ﺒﺼﻔﺘﻬﺎ ﺩﻭﻟﺔ ﻤﻭﺤﺩﺓ، ﻟﻴﺱ ﺍﻟﺘﻘﻁﻴﻊ ﺍﻟﺠﻬﻭﻱ ﻓﻲ ﺤـﺩ ﺫﺍﺘـﻪ ﻫـﻭ
ﺍﻟﺭﻫﺎﻥ ﺍﻷﻭل، ﺒل ﻓﺭﻉ ﻤﻥ ﺠﺫﻉ ﻗﻭﺍﻤﻪ ﺍﻟﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴﺔ ﺍﻟﻤﻭﺴﻌﺔ ﻤﻥ ﺤﻴﺙ ﺍﻟﻤﻀﻤﻭﻥ ﺍﻟﻤﺅﺴﺴﺎﺘﻲ، ﻭﺠﻬﻭﻴﺔ
ﻓﻲ ﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﻭﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﺩﻤﺠﺔ ﻤﻥ ﺤﻴﺙ ﺍﻟﺴﺩﺍﺩ ﺍﻟﻭﻅﻴﻔﻲ31-2"..
 ﻭﻟﺫﻟﻙ ﺘﻘﺎﺱ ﺼﺤﺔ ﺍﻟﺘﻘﻁﻴﻊ ﺒﻤﺩﻯ ﺴﺩﺍﺩﻩ ﻤﻥ ﺤﻴﺙ ﻗﺎﺒﻠﻴﺘﻪ ﻹﻨﺠﺎﺡ ﻤﺸﺭﻭﻉ ﺍﻟﺠﻬﻭﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻘﺩﻤـﺔ.
ﻭﻤﻌﻠﻭﻡ ﺃﻥ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺠﻬﻭﻴﺔ ﺘﺭﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﺇﻗﺎﻤﺔ ﺃﺤﻭﺍﺽ ﻤﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﻭﻤـﻥ ﺍﻟﻌﻤـل ﺍﻟـﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻲ
ﺍﻟﻤﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺘﺩﺒﻴﺭ ﻓﻌﺎل ﻟﺴﻴﺎﺴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﺩﻤﺠﺔ ﻭﻨﺸﺭ ﺍﻟﻌﻤل ﺒﺎﻟﻼﻤﺭﻜﺯﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﺍﻟﻤﻘﺭﻭﻨﺔ ﺒﻼﺘﻤﺭﻜﺯ
ﻤﻨﺎﺴﺏ".
"ﻴشكل ﺘﻨﻭﻉ ﺍﻟﺒﻴﺌﺎﺕ ﺍﻟﻁﺒﻴﻌﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻐﺭﺏ ﻭﺍﺨﺘﻼﻑ ﺃﻨﻤﺎﻁ ﺍﻟﻌﻴﺵ ﻭﻅﺭﻭﻑ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ﺍﻟﺒﺸـﺭﻱ31-3
ﻭﺍﻟﺘﺭﺍﺙ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻭﺍﻟﻠﻐﻭﻱ ﻭﻤﻼﺒﺴﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ ﺒﻤﺎ ﻴﺘﺭﺘﺏ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻤﻥ ﺘﺒﺎﻴﻥ ﺩﺭﺠﺎﺕ ﺍﻟﺘﺄﻁﻴﺭ ﺍﻟﺘﺭﺍﺒﻲ، ﻜﻨـﺯﺍ
ﻻ ﺘﺸﻭﺒﻪ ﺸﻭﺍﺌﺏ ﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺩ ﺍﻟﺠﻬﻭﻴﺔ ﺍﻟﻤﻠﺯﻤﺔ ﻭﻻ ﺒﺎﻷﺤﺭﻯ ﺍﻟﺠﻬﻭﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ. ﻓﺎﻟﺫﻱ ﻴﺜﻴـﺭ ﺍﻻﻨﺘﺒـﺎﻩ ﻤـﻥ
ﻤﻤﻴﺯﺍﺕ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺃﻨﻬﺎ ﻜﺎﻨﺕ، ﻭﻻ ﺘﺯﺍل، ﻗﺎﺌﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺒﻨﻴﺔ ﺘﺭﺍﺒﻴﺔ ﻤﻭﺤﺩﺓ ﻭﻋﻠﻰ ﺩﺭﺠﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻤﻥ ﺍﻻﻨـﺩﻤﺎﺝ."

- ﺃﻗﻴﻡ ﻤﺸﺭﻭﻉ ﺍﻟﺘﻘﻁﻴﻊ ﺍﻟﺠﻬﻭﻱ ﻫﺫﺍ، ﺒﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ، ﻭﺘﻁﺒﻴﻘﺎ ﻟﻤﻌﺎﻴﻴﺭ ﺘﻘﻨﻴﺔ ﻤﻌﻤﻭل ﺒﻬﺎ32-1"
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻭﻡ، ﺘﻭﻓﻕ ﺒﻴﻥ ﻜل ﻭﺍﺤﺩﺓ ﻤﻥ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻘﻭﺍﻋﺩ ﻭﺒﻴﻥ ﺃﻫﺩﺍﻑ ﺍﻟﺠﻬﻭﻴﺔ ﻭﺤﻘﺎﺌﻕ ﻫﻴﻜﻠﺔ ﺍﻟﺘﺭﺍﺏ ﺍﻟﻭﻁﻨﻲ.
ﻭﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻴﻴﺭ ﻫﻲ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺭﺍﻜﻡ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﻨﺱ ﻭﺍﻟﻭﻅﻴﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺭﺏ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺴﺏ ﻭﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ."
         وهكذا فان اللجنة الاستشارية حول الجهوية وهي لجنة خبراء قررت دون ان تقدم خيارات ان تحسم في استبعاد الجهوية السياسية وتتبنى اللامركزية والجهوية الادارية تحت مصطلح" الجهوية المتقدمة " او الجهوية الموسعة" مستعملة كذالك" الديموقراطية الموسعة"  رغم ان من بين مقترحاتها حينئذ لانجد ما يستلزم مراجعة الدستور من اجل اقرار الجهوية.
          ورغم ان تاريخ المغرب الى حدود الاستعمار واقرار الحماية كان يعيش جهوية سياسية ان لم نقل كان عبارة عن كانتونات او قبائل شبيهة بكانتونات سويسرا قبل اتحادها في دولة فدرالية ، فان خبراء اللجنة لم يهتموا اطلاقا بذالك مع  ان الخطاب التوجيهي لهم كان يشير الى عبارة" جهوية مغربية مغربية ".ومن المعروف ان المغرب عرف جهات تاريخية ولايزال يتميز بوجود جهات تتمتع بهوياتها المتميزة على جميع المستويات ومن الاهمال الا ينتبه خبراء اللجنة الى اهمية هذه الجهات في تاريخ المغرب رغم انها لعبت الدور الاساسي في استمرار وجود المغرب وصموده حتى عندما انهارت الدول التي كانت تحكمه لتنبعث من صمودها الدولة من جديد واحيانا قبل انهيارها الكامل.
         وبدل ان تاخذ بعين الاعتبار المقومات الثقافية والتاريخية كما دعت الى ذالك الجمعيات الثقافية الامازيغية ، في ارتباط بالموارد الطبيعية والبيئية الغنية وهي التي تعزز الجهة وشخصيتها وهويتها وثقافتها تبعا لتاريخها لبناء جهوية سياسية فانها اعتمدت منطقا اخرسيطر عليه هوى الخبراء انفسهم رغم انها حددت كمعايير للتقطيع الترابي: ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺭﺍﻜﻡ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﻨﺱ ﻭﺍﻟﻭﻅﻴﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺭﺏ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺴﺏ ﻭﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ."وهو ما ادى الى تقطيع احتجت بشانه عدة جهات قبل ان يصبح نهائيا. فقد اصبحت جهة الريف مقسمة بين ثلاث جهات او اكثر ونفس الشيئ بالنسبة للصحراء بينما تم تركيز اضافي في المغرب الاكثر غنى باقتراح جهات اكثر غنى للرباط-سلا –القنيطرة  والدارالبيضاء وفاس –مكناس  دون فتح المجال لممارسة الحق الجماعي في مسلسل اتخاذ القرار".


 ومن هذه المعطيات يمكن استنتاج مايلي:
1-   ان دستور المغرب لسنة 2011 قد اخذ ماهو جوهري من دستور فرنسابشان نموذج الدولة  الموحدة .فهو بخصوص الجهوية يحدد في الفقرة الاخيرة من الفصل الاول  "ان التنظيم الترابي للملكة تنظيم لامركزي  يقوم على الجهوية المتقدمة" ومن خلال فصول الدستور كاملة لن نجد ما يشير الى اقتسام السلطات بين الدولة المركزية وبين الجهات ليتبين ان مضمون الجهوية المتقدمة الواردة في الدستورتنحصر في جهوية  شبيها باللامركزية المشار اليها في المادة الاولى من الدستور الفرنسي.
2-   .وهكذا نجد ان الفصل 63 من دستور المغرب يشير الى تكوين مجلس المستشارين وتركيبته ويحيل على قانون تنظيمي  وهو يعلن مع الفصل الاول اعتماد اللامركزية والجهوية المتقدمة لمغرب المستقبل. كما في دستور فرنسا حيث اعلنت المادةالاولى مع المادة 72  اعتماد اللامركزية ونصت هذه الاخيرة  على " ان الجماعات  الترابية للجمهورية هي الاقاليم والجهات والجماعات الخاصة وجماعات  ما وراء البحار ، وتوحي بان الدستور يتبنى  الجهوية . غير ان  مراجعة للنصوص والاختصاصات  تؤكد ان اللامركزية  والجهوية  في فرنسا ليست جهوية سياسية  بل انها لا تتجاوز جهوية ادارية كما سبق ان اشرنا الى ذالك.
         2-لكن خلافا للدستورالفرنسي الذي لايعترف باللغات والثقافات  المتعايشة في فرنسا فان الدستور المغربي يقر اللغة لامازيغية لغة رسمية بجانب العربية كما يعترف بكل المكوناتات الثقافية وبكل اللغات في اطار شعار " الوحدة في التعدد".وهو تقدم رمزي كبيرقد يدفع به القانون التنظيمي وقد يحنطه ويكرسه.

         3-كما سبق ذكره فان اعتماد مبدأ فصل السلطات يعتبر واحدا من المعايير الدولية  لاي دستور ديموقراطي في العصر الحديث .وهم مبدأ اعتمد في دستور 2011 مع اعتماد مصطلح السلطة القضائية واستقلالها  في الفصلين الاول و107والفصول التالية المتعلقة بالمجلس الاعلى للقضاء الذي يحدد سيره بقانون تنظيمي.
4-  بصدد الحق الجماعي للجهات في المشاركة في صنع القرار يتعين ان ينص الدستور على اقتسام السلطات بين المركز ومختلف الجهات .فالمادة 137 من دستور اسبانيا الذي يتبنى الجهوية السياسية ينص على ان "كل الوحدات الترابية تتمتع باستقلالها في تسيير شؤونها" اما دستور 2011  ،فانه وان كان يعتمد تنظيما لامركزيا للدولة  يقوم على الجهوية المتقدمة "لاينص على أي اقتسام للسلطات "وهو امر يمكن القول بانه قديكون متروكا للقانون التنظيمي.

اننا هنا امام نص دستوري متقدم على ماسبق وهو تبعا لما تم تفصيله اعلاه يحتمل التاويل الديموقراطي في افق الانتقال نحو الديموقراطية على اساس المزيد من النضال من اجل ضمان الحق الفردي والحق الجماعي في مسلسل اتخاذ القرار.لكنه يحتمل تاويلا مخالفا قد يؤدي الى تركيز في افق تمديد فترة الانتقال نحو الديموقراطية التي يحلم بها الشعب منذ بداية الاستقلال.

توصية للمؤتمر الوطني للمحامين:

-العمل من اجل ضمان الحق الجماعي للمشاركة في مسلسل صنع القرار.
-المبادرة بتشكيل جبهة مدنية من اجل الضغط لضمان حق المشاركة في الحياة  السياسية  والحياة الثقافية.

حسن ادبلقاسم-محام بهيئة المحامين بالرباط
خبيرسابق لدى الامم المتحدة (2005-2010)



Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

جوهر الهوية والأبعاد الثلاثة للهوية الثقافية المغربية

القانون الاساسي لمنظمة تاماينوت 2015-2018